المقارنة المحزنة

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

-1- قبل أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً في عام 1987، أهداني صديقي الراحل الأستاذ عبد الكريم الأزري مذكّراته الموسومة بـ (تاريخ في ذكريات العراق 1930-1958) وقد رأيته يشدّد على أهمية تدوين ونشر المذكرات بالنسبة الى من تولوا أعمالاً تتصل بالشؤون العامة (للإفادة العامة من تجاربهم وخبراتهم (و (لتكون روافد عامة صادقة لتاريخ الحقبة التي عملوا فيها)و(ليسدّوا الطريق أمام الذين يدوّنون أحداث الماضي بوحي من أهوائهم)و(ليدحضوا أباطيل سرت على انها حقائق)أو (ليدفعوا عن تاريخ أمّتهم أو جيلهم ما ألصق به مما ليس فيه)أو (ليبيّنوا مواطن الأغلاط في التصرف والسلوك أو الاجتهاد وما نجم عنها من نتائج أو ورثته من سيئات مما ينبّه الأجيال الحاضرة والآتية الى اجتنابها ).راجع الكتاب المذكور (ص 7)-2-ثم أنه يذكر المناصب التي تولّاها ابتداءً من سنة 1930 فيقول :ابتدأ العمل (معاون قنصل) في كرمنشاه ، ثم عمل (ملحقاً في السفارة العراقية بطهران، ثم مدرساً في دار المعلمين الابتدائية، ثم أصبح سكرتير وزارة المعارف.ثم تولى مهام معاون رئيس الديوان الملكي، وبعدها أصبح رئيساً للديوان الملكي بالوكالة، ثم رئيسا للتشريفات الملكية، ثم أصبح مديراً عامّاً للواردات (اي مدير الضرائب العام في وزارة المالية)، ثم تولى مهام مدير التجارة في وزارة المالية .ثم أصبح مديراً عاماً لوزارة الاقتصاد، ثم أصبح نائباً في المجلس النيابي، ثم مقرراً للجنة المالية، ثم انتهى به المطاف الى أنْ تقلد منصب وزير المالية – لمرات عديدة –.كما انه أشغل منصب وزير الإعمار أيضاً .وكانت آخر وزارة تولّاها هي وزارة المالية في حكومته الاتحاد العربي التي انتهت بانتصار ثورة تموز عام 1958 .ومن هذا الاستعراض التفصيلي للمناصب التي تقلّدها يبرز بوضوح عنصر التدرج وتنوع المهام الموكلة إليه في مؤسسات الدولة. ولا شك أنَّ العمل في مختلف المواقع والمهام، يؤدي الى امتلاك الرصيد الكبير من الخبرة والدراية التامة في تصريف الأمور، وبالتالي فإنّ المحصلة النهائية تكون مزادنة بالمزيد من النجاحات العلمية ...وهذا هو المطلوب ...أما في العراق الجديد – وبعد سقوط الصنم الكبير – (في 9/4/2003) فإنّ الكثير من المواقع الخطيرة، والمهام الكبرى أُسندت إلى مَنْ لا عهد له بالعمل الوظيفي على الإطلاق ..!!وهذا من أكبر أسباب الفشل والإخفاق الذي اعترى هذه المرحلة للأسف الشديد ..!!أليس من الغريب أن النظام الملكي البائد الذي مضى على انقراضه ستون عاماً تقريباً يتقدم ويتفوق على مرحلتنا الراهنة التي يعيشها (الجيل الالكتروني) .؟!-3-ويقول الأزري :إنّ الملك فيصل الأول حين علم بعودته الى العراق بعد حصوله على شهادة (BSC) في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة بغداد، هو الذي أبدى رغبته أن يُعيّن (الأزري) في وزارة الخارجية.المصدر السابق ص 10-11فأين هي العناية اليوم بأصحاب الكفاءات والمواهب من حملة الشهادات المهمّة من أرقى الجامعات العالمية ؟إنهم اليوم توضع بوجههم العقبات والعوائق التي تحولُ بينهم وبين خدمة وطنهم ...وهذا شيء مؤسف للغاية، في الوقت الذي يتبوأ فيه الكثيرون من مزوّري الشهادات مناصب مهمة..!!-4-ويتحدث الأزري عن اللغات التي يحسنها فيقول :(إني كنت أعرف الإنكليزية والفرنسية جيداً، والألمانية إلى درجة أقلّ )المصدر السابق ص12وهذه أهمّ اللغات الأجنبية ثم تعلم خلال وجوده في إيران اللغة الفارسية، وصار يقرأ الصحف الإيرانية ويتمتع بكتب الأدب الفارسي. المصدر السابق /ص14 وأنا أشهد له بأنّه كان على إلمام كافٍ باللغة العربية يجنّبه الوقوع في الأخطاء ...أقول :إننا لا نجد في كثير ممن أثرى على حساب المستضعفين والبائسين – من هو على بصيرة بلغته الأم وهي اللغة العربية، فضلاً عن غيرها .ومن هنا يعرف عظم المصيبة والكارثة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على