مُوازنات قلِقة
أكثر من سنة فى الإتحاد
كثيراً ما يجدُ المرء نفسَه أمام اختيارين، والمُعتاد أن يختار أفضلَهما حسب تقديره. لكن الموقف يختلفُ بالنسبة إلى من يرى في كلا الاختيارين فائدةً أو مصلحة، إلا أنه لا يستطيعُ الجمعَ أو الموازنةَ بينهما. ويبدو هذا الموقف أكثر تعقيداً حين يتعلق الأمرُ بمسؤولٍ سياسي كبير، ناهيك عن أن يكون هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية.يواجه الرئيس جو بايدن صعوباتٍ في الموازنة بين موقفين مختلفين أو متعارضين في قضايا عدة، مثل حظر تطبيق «تيك توك» في أميركا، وإدارة بعض المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتعامل مع حكومة بنيامين نتنياهو.
وتزدادُ هذه الصعوباتُ كلّما اقترب موعدُ الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر المقبل، لأن لكلٍ من القضايا المُشار إليها أثرها في اتجاهات الناخبين. مضى بايدن مع الاتجاه السائد في مؤسسات صنع القرار عندما وقّع في آخر أبريل الماضي مشروعَ قانونٍ يؤدي إلى حظر تطبيق «تيك توك» ما لم تبع شركة «بايت دانس» الصينيةُ حصتَها فيه خلال 270 يوماً.
ويستند هذا الاتجاهُ على اعتقادٍ بأن للتطبيق أثراً سلبياً على الأمن القومي الأميركي. لكن استطلاعات الرأي العام تفيدُ بأن قطاعاً واسعاً من الشباب (أقل من 35 سنة) يرفض حظرَه. وهذه هي الشريحةُ العمرية التي يتفوق فيها بايدن على منافسه القوي دونالد ترامب، حسب مؤشرات انتخابات 2020، واستطلاعات الرأي العام في الأسابيع الأخيرة. ولهذا، ربما يُضطرُ بايدن إلى مد أجل حظر التطبيق إن لم تبادر «بايت دانس» ببيع حصتها.
لكن هذه الموازنة، التي قد يأملُ أن تحافظ على أنصاره من مؤيدي الحظر ورافضيه، ليست سهلةً ولا هي مضمونة. ويختلفُ الوضع في حالة أوكرانيا، وخاصة بعد رفع بعض القيود التي سبق أن فرضتها واشنطن على استخدام كييف الأسلحة الأميركية في الحرب. ويبدو صعباً إيجادُ موازنةٍ بين الحرص على دعم أوكرانيا عسكرياً والقلق من اتجاهها إلى استهداف منشآتٍ روسية.
قد تُقصف هذه المنشآتُ بواسطة مُسيرَّاتٍ معظمها أميركية، وقد يؤدي منع تزويد كييف بها إلى إضعاف مركزها في الحرب. لكن استمرار هذا القصف قد يؤثرُ في المُقابل على إنتاج روسيا من بعض المشتقات النفطية، وربما يرفعُ أسعارها بعد حينٍ في السوق العالمية. فإذا ارتفعت أسعار البنزين في أميركا، سيكونُ هذا خطراً على حملة بايدن في وقتٍ حساس مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي. ورغم صعوبة تبني موقف متوازن في حالة حرب غزة، يبدو أن بايدن قادرٌ حتى الآن على أن يحافظ على أنصاره الذين يريدون دعماً أميركياً كاملاً لإسرائيل، ومن دفعتهم سياسةُ حكومة بنيامين نتنياهو إلى المطالبة بوقف الحرب.
فهو يواصلُ مساندةَ إسرائيل بقوة، لكن مع تغيرٍ طفيف أكثره في الخطاب الرسمي وأقله في إجراءاتٍ لا تؤثرُ في قدرات جيشها في المدى القصير على الأقل. وهكذا يبدو كما لو أن بايدن يسيرُ في هذه المُوازنات على حبالٍ مشدودةٍ في ثلاث قضايا كبيرةٍ تختلطُ فيها السياسةُ الخارجية والمؤثراتُ الداخلية.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية