جامعة الروح القدس أطلقت مشروعًا بحثيًا وتطبيقيًا حول المجاعة الكبرى في لبنان

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

نظمت كلّيّة العلوم الزراعيّة والغذائيّة في جامعة الروح القدس – الكسليك وشركة جرجي الدكّاش وأولاده، بالتعاون مع كلّيّة الطبّ والعلوم الطبّيّة ومركز فينيكس للدراسات اللبنانيّة في الجامعة مؤتمرًا علميًا لإطلاق مشروع بحثي وتطبيقي تحت عنوان "المجاعة الكبرى في لبنان (1914-1918): مقاربة علميّة"، في حضور رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، النائبين نعمة الله أبي نصر وحكمت ديب، سفير أوكرانيا في لبنان إيغور أوستيتش، صاحب ومدير عام شركة جرجي الدكّاش وأولاده شوقي الدكاش، عميدة كلّيّة العلوم الزراعيّة والغذائيّة الدكتورة لارا حنا واكيم، وأعضاء مجلس الجامعة وحشد من الفعاليات السياسية والصناعية والبلدية والاجتماعية، في حرم الجامعة في الكسليك. 
عطالله
بعد النشيد الوطني اللبناني، ألقت كلمة التقديم الإعلامية دنيز عطالله التي نوّهت بالإرث الثقافي والعلمي للرهبانية اللبنانية المارونية والجامعة، وارتباطهما بلبنان وتاريخه وأعمق ما في وجدانه، لافتة إلى "أن المجاعة الكبرى في لبنان لم تترك ندوبًا اجتماعية وسياسية واقتصادية فقط، إنما يبدو أنها تركت رواسب على جيناتنا نحن أحفاد أولئك الذين اختبروها".
عبد النور
ثم تحدث المسؤول عن لجنة الدكتوراه في كلّيّة العلوم الزراعيّة والغذائيّة الدكتور عفيف عبد النور عن المشروع البحثي والتطبيقي حول المجاعة الكبرى في لبنان وغاياته وآفاقه العلمية، فقدّم بداية لمحة تاريخية عن المجاعة الكبرى التي حصلت خلال الحرب العالمية الأولى، متسائلًا: "هل ممكن أن تفسّر هذه المجاعة الأمراض التي يعاني منها اللبنانيون مثل البدانة والسكري والسرطان والضغط وهشاشة العظام إضافةً إلى بعض الأمراض النفسية مثل تقلّب المزاج والتوتر؟ وهل تفسّر هذه المجاعة الإرادة الصلبة والتمسّك بالفرح والحياة للبنانيين بالرغم من ظروفهم الصعبة؟ من هذا المنطلق، تهدف دراستنا إلى التواصل مع أشخاص ولدوا في العام 1919 أو كانوا أجنّة آنذاك أو عايشوا هذه المجاعة بهدف دراسة جيناتهم ومقارنتها مع أشخاص لم يعايشوا المجاعة. وسيتم التعاون مع مختبرات عالمية رائدة في مجالها من أجل الوصول إلى أفضل النتائج".  
واكيم
أما عميدة كلّيّة العلوم الزراعيّة والغذائيّة الدكتورة لارا حنّا واكيم فشددت على" أن ذكرى هذه المجاعة رست عصيّة في أذهان اللبنانيين يستعيدها العقل في الخيال كلّما استذكرها التاريخ. هي صورة الذعر والوجل على وجوه لبنانيين ما انفكوا أن دخلوا في هوة العدم وأجساد عظميّة تأرجحت بين أرواح باردة وجمود مميت. نعم، هو التاريخ الذي حمل بطياته حرقة قلب أم ووجع أب، مؤكدة "أن تلك الحقبة التاريخية، رغم قتامتها، تعتبر من أبرز محطات تأسيس كيان وجوهر الوطن الذي ننتمي إليه هوية وروحاً: هي المجاعة بكل أبعادها العلمية والإنسانوية". 
وأضافت: "من هنا جاء عنوان مشروعنا البحثي والعلمي: "المجاعة الكبرى في لبنان: مقاربة علمية"، ليس فقط لاستعادة ذاكرة حقيقة مشجونة بالهم واليأس لا بل للتطلع، وبشكل علمي، على ترددات مأساة إنسانية على اللبنانيين الذين يتفرعون من الأجيال التي عاشت المجاعة خلال الحرب العالمية الأولى. واللافت أن لهذه المجاعة انعكاس علمي بل جيني على الأصول والفروع التي تتحدر من أجيال تلك الفترة، وتحديداً بما يتعلّق ببعض الأمراض الجسدية والنفسية". 
وتابعت: "هذه هي المقاربة العلمية للمجاعة الكبرى، أمّا مقاربتي اليوم فهي مقاربة إنسانوية محض. إنسانوية لأن موضوع المجاعة هو موضوع يطال الإنسان بكل أبعاده سيَما وأن المجاعة كما تراءت ماضياً للأذهان أضحت اليوم مرفوضة رفضاً كلّياً، وذلك في ظل ما نصّت عليه شرعة حقوق الإنسان بالاعتراف "بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة كأساس للحرية والعدل والسلامة".  وإن كانت شرعة حقوق الإنسان قد ناشدت بالمساواة فيما يتعلّق بموضوع الجوع، فإذن لا بد لنا نحن في هذا السياق بالمناشدة عينها فيما يخص المجاعة وتداعياتها إذ أصبح من اللامنطق أن نجد في أيّامنا اليوم بقع أرضية جمّة تكبح تحت وطأة المجاعة مبيدةً أجيالاً برمتها"، مؤكدة "أن للعلم حق ودور أساس من خلال زرع وتفعيل السياسات الاستراتيجية للمنظمات الدولية التي رامت إلى ايجاد حلول تحد من تداعيات الفقر والمجاعة وتأثيرهما المباشر على صحة ونمو الإنسان". 
وتقدمت العميدة واكيم بالشكر من رئيس الجامعة الأب حبيقه "الذي اهتم دوماً بالارتقاء بالقضايا الإنسانية إلى أعلى مستوى، والتي تتجلى بممارساته اليومية في الجامعة على كافة الأصعدة". كما شكرت معالي وزير الصحة غسان حاصباني، مثمنة له "تبنيه هذا المشروع السباق على المستوى الوطني والإنساني". وشكرت أيضًا كلًا من السيد شوقي دكّاش "على دعمه لمشروعنا، ومساهمته في مساندة طلابنا لتحقيق أهدافهم"، الأب جوزف مكرزل مدير المكتبة العامة ومدير مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في الجامعة، والبروفسور جان كلود لحود عميد كلية الطب والعلوم الطبية "لتعاونهما المثمر في إنجاح هذا المشروع"، الدكتور عفيف عبد النور المسؤول عن لجنة الدكتوراه في كلية العلوم الزراعية والغذائية على مبادرته في إطلاق هذا المشروع  وحماسه الملفت مع فريق العمل من أطباء وممرضين، وكل من ساهم في إنجاح هذا المشروع، خاصّة بالذكر السيدة غنوى شعيا عبد النور والسيدة سمر الحاج. وشكرت كل الأهالي في كل المناطق اللبنانية "الذين ساعدونا في آلية العمل وسهلوا نشاطنا على أرض الواقع"، وكل من ساعد، اهتمّ ونظّم لإنجاح هذا المشروع من الزملاء في كافة المكاتب في الجامعة، والسيدة دنيز عطالله لتقديمها هذا الحفل.
كما شكرت النائب نعمة الله أبي نصر الذي "اتخذ من أولى اهتماماته اقتراح قانون "لتخصيص الثاني من أيار من كل عام، ذكرى المجاعة الكبرى، ليضاف إلى الأعياد الوطنية والدينية"، مثنية على "هذه اللفتة المميزة أنتَ من قلتَ إن هذه المجاعة أدت إلى استشهاد ربع الشعب اللبناني، فحري بنا استذكارهم بيوم وطني. وهذا اليوم ليس يوماً للعطلة، إنما لاستذكار المآسي من أجل تلافيها".
وختمت بالقول: "لشهداء المجاعة اللبنانيين الذين قضوا جوعاً مميتاً خلال الحرب العالمية، لكم منّا وقفة إجلال وتقدير. ولكل أولئك الذين جاعوا وعطشوا، فغادرونا فلتبقى ذكراهم حية في خواطرنا وقلوبنا فيكون إطلاق هذا المشروع اليوم نوراً للضمائر يؤمن بها كل صوت حر".
الدكاش
ثم ألقى صاحب ومدير شركة جرجي الدكّاش وأولاده شوقي الدكاش كلمة اعتبر فيها "أن لقاءنا اليوم لإطلاق دراسة علمية حول تأثير المجاعة التي طالت لبنان على جيناتنا وصحتنا وبعض سلوكياتنا، له أكثر من بعد ودلالة.
فهذا البحث العلمي ينطلق من هنا، من الجامعة التابعة للرهبانية اللبنانية المارونية الأمينة على تاريخ لبنان وذاكرة اللبنانيين ووجدانهم..."
وأضاف: "أما البعد الثاني فهو المقاربة العلمية للمجاعة. وهي مقاربة تحتاج إلى دقة وانفتاح فكري وعمل دؤوب واحترافية ومعرفة علمية متقدمة. وهي كلها بعض من هوية هذه الجامعة التي تواكب العصر ومعارفه التقنية وتطوره العلمي.  أما البعد الثالث فهو معرفة الذات. معرفة ما ورثناه وما اكتسبناه وراكمناه، حتى على جيناتنا، من تجارب مرّ بها آباء لنا وأجداد ولها تأثير على سلوكياتنا اليوم". 
وأكد أنه "في هذا السياق، إن الدقة العلمية تقضي بعدم اصدار أحكام أو استنتاجات مسبقة من دون دراسة، لكنني واثق أنني أعرف بعضاً مما تحمله جيناتنا. نعم، قبل المجاعة وبعدها، نحمل في جيناتنا النزعة الدائمة للحرية والعيش بكرامة. نحمل في جيناتنا التعلق بهذه الأرض، بحقنا في الشهادة لإيماننا وتاريخنا ونضال كل من ماتوا جوعاً أو قتلاً أو اضطهادًا لنبقى ونستمر. نحمل في جيناتنا إرادة الحياة فنزرع اليوم ليحصد أبناؤنا غداً. نزرع حرية فيحصدون استقلالاً وسيادة. نزرع شجاعة القول والفعل فيحصدون استقراراً. نزرع شفافية في العمل فيحصدون مؤسسات. نزرع أسس الدولة القوية فيحصدون وطناً".
وتابع: "لهذه الأسباب، وغيرها الكثير، كانت الشراكة بديهية بين "شركات جرجي دكاش وأولاده" وبين هذه الجامعة وكلية العلوم الزراعية والغذائية تحديداً، وهذا المشروع بشكلٍ خاص. فنحن في الشركة لنا التزام وطني ووجداني مع الأرض وأهل هذه الأرض، قبل أن يكون خيراً مهنيا. وشراكتنا مع جامعة الروح القدس الكسليك تذهب أبعد من ذلك، ولنا محطة أخرى، مع طلاب الدكتوراه واستعدادنا لتبني أفضل مشاريعهم ووضعها موضع التطبيق الفعلي في بيئة أعمال سليمة، محافظة وقابلة للتطور".
الأب حبيقة
وأثنى رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة على "التعاون القائم بين الجامعة وشركة جرجي الدكاش وأولاده، خدمة للبحث مع نخبة ألمعية من المفكّرين، وأهل العلم والمعرفة والخبرة، للإحاطة الموضوعية بمسألة المجاعة الكبرى"، متوجهًا بالشكر إلى شركة جرجي الدكاش وأولاده، "لدعمها المشروع البحثي والتطبيقي حول المجاعة الكبرى في لبنان. إن الدعم المادي والمعنوي لهذا المشروع الرائد لهو بمنزلة فعل إيمان بأن الجامعة، كانت ولا تزال، المرجعية العلمية في سبيل بلوغ "حقيقة" تجريبية ممحصة بالتيقن الاختباري المستند إلى المعرفة والمصداقية."
وأضاف: "ولئن كان مؤتمركم يتناول المجاعة الكبرى في لبنان بشكل مقاربة علمية بهدف استخراج حقائق علمية، إلا أن المجاعة، والحقّ يقال، هي بحدّ ذاتها حقل علم وتجارب، بما تقدمه للنظر من صدمة، وبما تفرزه في القلب من نقمة، وبما تبثّه في الضمير من ارتجاج يسوق الفكر طوعاً إلى الاستنجاد بربّ العالمين مسائلا إياه: لماذا؟
 وتابع: "ولئن نحن اليوم في زمن التضارب الغذائي على المستوى العالمي، نتأرجح بين مجتمعات الاستهلاك والشره، الذي يفوق حاجة المرء، والواقع الذي يقضّ مضاجع البحاثة والعلماء، خوفاً من ديمغرافية عالمية توسعيّة قد يبلغ بها عدد سكان الأرض، في العام 2050، ما يناهز التسع مليار نسمة، فتعجز خيرات الأرض حينها عن توفير الأغذية للبشرية جمعاء، وإن تمكّنت بكيميائياتها أن تعصمك من الجوع فلا تصونك من المرض، وبين مأساة المجاعة وأسبابها، وكأنك تقارب ما ليس مألوفاً أو ما لا يمكن أن يكون أو ما لا يتصوره عقل".
  وأكد "أن مجاعة لبنان الكبرى، وهي واحدة من الفواجع الكثيرة التي عرفها لبنان في تاريخه الحديث، فلم تنتج عن أرض قاحلة تفتقر إلى الماء والهواء، ولا عن مواسم عجاف، بل هي نتاج الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الفرنسية، وقد رسم مسارها بحنكة جمال باشا السفاح، مستخدماً المدن اللبنانية بشكل عام ومناطق كسروان والبترون وجبيل بشكل خاص، بالإضافة إلى بلدة دير القمر المعزولة عن المساعدة التي كانت تصل للشوف من حوران، بهدف الضغط على فرنسا لتغيّر سياستها من جهة، وبهدف طرد السكان اللبنانيين، من جهة أخرى، من أرضهم، واقتلاعهم من جذورهم".
وبعدما عدد الأب حبيقة أسباب هذه المجاعة، لفت إلى أن "أن ما يثير الاهتمام في هذه المجاعة الكبرى التي نزفت دماً وهمجيّة وألماً وعنفاً ووحشية، وكلها أمور غير مسبوقة في تاريخ البشر الحديث، لم تجد لها مُعينا، لا من قبل الحكومة المحلية ولا من قبل الطبقات البورجوازية...ممّا يؤكّد لنا استراتيجية الدولة العثمانية الإجرامية، للتخلص من اللبنانيين، ضحايا المجاعة، وقد ذكرت الدراسات الإحصائية لعام 1917 أن عدد ضحايا المجاعة قد بلغ 150.000 نسمة، وأن بعض قرى وبلدات كسروان فقدت ما يقارب ال 40 % من سكانها".
وختم بالقول: "في هذا الصرح الجامعي، سيجري البحث العلمي والتطبيقي ليلقي الضوء على تداعيات المجاعة الكبرى على النسل والنموّ والنقل الجيني وهذه سابقة في حقل المعرفة. أرجو للباحثين كلّ التوفيق، علَّهم يتوصلون إلى رفع اللثام عن موروثات جينية من تلك الحقبة، قد تنيرُ السبيل إلى رسم مخطط علاجي لأمراض غامضة ومستعصية".
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على