خدعة وفرة العرض الأمريكية

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

ستيفن س. روتشتعد التخفيضات الضريبية التي تحل محل الإصلاح الضريبي أفضل طريقة لوصف مناورة السياسة في واشنطن. فالقضية السياسية إلى حد كبير -وهي تتمثل في ضرورة قيام الكونجرس الجمهوري بتحقيق فوز تشريعي للرئيس الجمهوري. بيد أن العواقب ستكون في نهاية المطاف اقتصادية- ومن غير المستغرب أن تكون أسوأ بكثير مما يرغب فيه السياسيون.تدخل سياسة التخفيضات الضريبية في إطار شعار ترامب «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وبسبب ثقل الأعباء وخداعها من قبل الصفقات التجارية السيئة، تحتاج أمريكا إلى إعفاء ضريبي لإحياء براعتها التنافسية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، وهنا تكمن المشكلة السياسية.وعلى الرغم من النداء السياسي للأسر من الطبقة الوسطى التي تعاني من ضغوط شديدة، فمن الواضح أن الشركات الأمريكية تركز على هذه الجهود، مع تشريع مقترح يهدف إلى تخفيض معدلات الضرائب على الأعمال التجارية من 35 % إلى 20 %. دون إغفال حقيقة أن الشركات الأمريكية تدفع حالياً معدل ضرائب منخفض -22 % فقط- بالمقارنة مع تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية.ناهيك عن آخر إحصاء للتنافسية الدولية أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي صنف الولايات المتحدة في المرتبة الثانية (من أصل 137 دولة). بطبيعة الحال، لا ينبغي أن تبهرك تقييمات سوق الأسهم للشركات الأمريكية. لا تبالي بكل هذه الأمور، فالجمهوريين يصرون على: خفض الضرائب التجارية، وأنه سيتم التصدي لأي أزمة تواجه أمريكا.ويصبح تسييس الحجج الاقتصادية خطرا في بعض الأحيان. تماماً مثل ما يحدث الآن. لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل ولوج التخفيضات الضريبية الحالية الكونجرس. ووفقا لمكتب الميزانية في الكونجرس غير الحزبي، فإن التخفيضات ستؤدي إلى عجز تراكمي يبلغ حوالي 1.4 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وتكمن المشكلة في انتقال نقص الادخار المزمن في أمريكا إلى منطقة الخطر، مما يجعل من تمويل العجز لعدة سنوات أصعب اليوم مما كان عليه الحال عند خفض الضرائب في الماضي.وتعد تخفيضات ضرائب كينيدي لعام 1964 وتخفيضات ضرائب ريغان لعام 1981 حالات مهمة في هذا الصدد. وبلغ معدل الادخار الوطني الصافي - وهو أوسع مقياس للادخار المحلي، الذي يشمل الادخار المعدل حسب استهلاك الأسر وقطاع الأعمال والقطاع الحكومي - 10.1 % خلال هاتين السنتين (1964 و 1981). وبمعنى آخر، كان بإمكان الولايات المتحدة حينئذ تطبيق تخفيضات ضريبية كبيرة.هذا ليس هو الحال اليوم، وخاصة مع صافي معدل الادخار المحلي الذي بلغ نسبة 1.8 % من الدخل القومي. حتى خلال التخفيضات الضريبية التي تلت ذلك - الدفعة الثانية من برنامج ريغان المالي في العام 1986، ومبادرات جورج بوش في العام 2001 - بلغ متوسط معدل الادخار الوطني 4.2 %، أي أكثر من ضعف المستوى الحالي.وتشير كل من التجربة ونظرية الاقتصاد الكلي إلى ما يمكن توقعه. فالاقتصادات المعتمِدة على التوفير على المدى القصير لا يمكنها أن تتحمل الإنفاق دون اقتراض فائض الادخار من الخارج. وهذا ما يجعل ميزان المدفوعات والعجز التجاري جزء من النقاش حول السياسة المالية.وقد عرفت الميزانية الأمريكية الحالية فائضا صغيرا خلال التخفيضات الضريبية الكبيرة في عامي 1964 و 1981 - وهو ما يتناقض بشكل حاد مع عجز اليوم البالغ 2.6 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومع احتمال أن يؤدي العجز المالي إلى انخفاض معدل الادخار المحلي -ربما يعود إلى المنطقة السلبية، كما كان الحال في الفترة ما بين 2008 و2011- فسيكون من المحتمل ارتفاع عجز الحساب الجاري. وذلك يعني ارتفاع العجز التجاري الكبير بشكل متزايد، مما يشكل انتهاكا لأحد المبادئ الرئيسية لـ «اقتصاد ترامب» - إن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى يتطلب سد الفجوة التجارية.ومن هذه النقطة يتحول الواقع إلى الخيال. ويصر ترامب وغالبية الجمهوريون في الكونجرس على أن التخفيضات الضريبية المقترحة ستعتمد على التمويل الذاتي، لأنها ستحفز النمو الاقتصادي، مما سيؤدي إلى ارتفاع الدخل. إن ما يسمى بحجة تشجيع العرض، المُقدمة لأول مرة لدعم التخفيضات الضريبية لعهد ريغان، كانت بمثابة وسيلة لجذب الانتقادات للسياسة المالية الأمريكية منذ ذلك الحين،، وخاصة من أجل تحويل الانتباه عن القضايا الأكثر خطورة.وقد اتضح أن الواقع مختلف تماما عن تصور مؤيدي العرض. نعم، لقد انتعش الاقتصاد بشكل كبير من ركود عميق في عام 1981-1982. ولكن هذا يرجع بشكل كبير إلى تخفيف السياسة النقدية في أعقاب الجهد الناجح الذي قام به المجلس الاحتياطي الاتحادي على التضخم الأمريكي المكون من رقمين.على النقيض من ذلك، فإن الجنة المالية التي وعد بها طويلا المدافعون عن العرض الفائض لم تتحقق. وبعيدا عن أن يتلاشى، تضاعف العجز في الميزانية الفيدرالية إلى 3.8 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال الثمانينيات، مما جعل الدين العام يرتفع من 25 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1980 إلى 41 % بحلول العام 1990.ولم يف المدافعون عن العرض الفائض بوعود التمويل الذاتي فحسب؛ بل ساهموا في بداية نهاية التوازن في ميزان المدفوعات الأمريكية. وفي الفترة من العام 1960 إلى العام 1982، كان الحساب الجاري في الأساس متوازنا، حيث بلغ فائضه 0.2 % من الناتج المحلي الإجمالي. في أعقاب العجز في الميزانية من ريغانوميكس وما يرتبط بها من تراجع في الادخار الوطني، وتأرجح الحساب الجاري بشكل حاد إلى العجز، في المتوسط ناقص2.4 % من الناتج المحلي الإجمالي من العام 1983 إلى العام 1989. وظلت الميزانية تعاني من العجز منذ ذلك الحين (باستثناء تأجيل مؤقت في النصف الأول من العام 1991 بسبب التمويل الخارجي لحرب الخليج).بعيداً عن وصفة من أجل العظمة، تبشر مناورة ترامب المالية بإيجاد مشكلة خطيرة. ونظراً لانعدام الادخار، فإن العجز الكبير في الميزانية الأمريكية يشير إلى تدهور حاد في ميزان المدفوعات والجبهات التجارية. كما أن المحاسبة الإبداعية في جانب العرض لن تغير تلك النتيجة. ويشير مركز السياسة الضريبية غير الحزبي إلى أن النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى انخفاض العجز لسنوات متعددة من 1.4 تريليون دولار إلى 1.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، وهو ما لا يكفي لمواجهة مشكلة التمويل المستعصية في أمريكا.أكد ذلك جورج بوش الأب بصراحة عندما كان يناضل من أجل ترشيح الحزب الجمهوري له لخوض الحملة الانتخابية للرئاسة في أبريل 1980. انتقد بحق «سياسة فودو الاقتصادية» الخاصة بخفض الضرائب لخصمه رونالد ريجان. بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذي لا يتوفر على وفورات كبيرة اليوم، فإن هذه السياسة تعد بمثابة مؤشر مؤلم لما ينتظرنا.عضو هيئة التدريس في جامعة ييل والرئيس السابق لمورجان ستانلي، آسيا. مؤلف كتاب بعنوان «انعدام التوازن: علاقة الاتكال بين أمريكا والصين».

شارك الخبر على