بيت المدى يحتفي بالروائي والقاص عبد الخالق الركابي لمناسبة نيله جائزة العويس

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

لامكان للألم في نفسه، فهو اعتاد أن يخلق من أوجاعه مسرات، حيث ترك عُكّازيه، ورسم مكانهما أجنحة، فحلق، وجمع دموع الكون المُلتهبة حُزناً واشتياقاً وخّذلاناً، وأمطرها على أرض عالمه الافتراضي المُقتبس عن الواقع، ليخلق عوالم فَرِحة، يملأها الجمال...
هكذا تحدى ألمه، وقدم أجمل الحكايات، التي لامست المدينة، وأهلها، ومشاعر أُناسها، فاستحق من خلال ما قدم أن يحصد جائزة مهمة في مجال الادب والرواية على وجه الخصوص، حيث حصد الروائي عبد الخالق الركابي جائزة سُلطان بن علي العويس في مجال القصة والرواية والمسرح، ليُثبت أن خلق أشياء من اللاوجود هو أمرٌ ليس بالمستحيل... تحتفي مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون بالكاتب الروائي والقاص عبد الخالق الركابي بحضور كبير للادباء والنُقّاد والمثقفين، تحدثوا عن أهمية ما قدمه الكاتب، وعن الجانب الإنساني في شخصه إضافة الى الجانب الأدبي....
كاهن الأدب العراقيعدّه البعض كاهن الأدب العراقي، فقد "رسّخ لعالم خاص وضع خطوطه بأسلوبٍ خاص ومميز ضمن مجاله الادبي." هذا ما أكده الروائي والكاتب عباس لطيف قائلاً "إن عبد الخالق الركابي استغل أربعة عقود بصمت المبدعين الكبار حيث اشتغل بطريقة وصفها أحد النُقّاد بأنها ذات تركيبة هائلة وخلطة سحرية." جاء الاحتفاء بمنجز الركابي ضمن فترة تشهد خلالها الرواية العراقية والعربية احتفاءً كبيراً فهي المتسيدة حالياً للمشهد الثقافي والادبي، حيث يذكر لطيف "أن الاحتفاء بكاتب مثل الركابي هو جزء من الاحتفاء بالادب نفسه، عبد الخالق الركابي مهووس بالشكل الفني للنص، وكما يقول تشيخوف أن المُبدع لا يبحث عن معايير ولكن يبحث عن شكل النص." لم يرغب الروائي عباس لطيف الذي كان حريصا على تقديم الجلسة أن يتحدث عن سيرة الركابي، فهو ببساطة رجل غني عن التعريف بمنجزه الكبير، والمهم، ليؤكد لطيف "أن الكاتب يمتلك عشرات التجارب الكبيرة والمميزة، اضافة إلى منجزاته وجوائزة التي حصدها التي كان من أهمها جائزة العويس التي تعدّ من أهم وأكبر الجوائز العربية."
خلف جدران الحزن الأربعةسُئل الركابي كثيراً كيف تكتب وأين، فترك السؤال عن كيف ليُجيب عنه القارئ، وراح يُجيبنا عن أين قائلاً خلال كلمته اثناء الاحتفاء بمنجزه في بيت المدى قائلاً " ما يُهمني هو جواب السؤال الثاني وهو "أين تكتب؟" وجوابي باختصار هو بين أربعة جدران، سواء أكانت في يوم ما غرفة طينية يتسرب المطر من خلال سقفها في الليالي العاصفة، أم إسمنتية تعود لمالك يفرض عليّ شهرياً دفع الجزية مع التهديد المعروف بالإخلاء في أية لحظة، أم تعد لي: أكتب بين جدرانها الاربعة وأنا أعيش فرحي وأحزاني وحماقاتي من دون أن تقلقني طرقات المالك المرعبة على بابي." يبدو أن الركابي اعتاد التعامل مع الاشياء والاحداث والمواقف كحالة أدبية، فقد وصف مكان كتابته بشكل أشبه بالشاعري، ثم انتقل بحديثه عن الرواية واصفاً إياها بأنها " أشغال شاقة،وعمل كئيب يستدعي الحزن، ولكنها في الوقت نفسه مبعث عزاء لا يعوض." وكعادته الركابي يعود لاحتضان حزنه بسعادة استثنائية، عاد ليحتضن جدرانه الاربعة ذاكراً " إنها أفاضت به الى جائزة العويس، فبقدر سعادتي لحصد تلك الجائزة أنا سعيد كون أن وهم عيشي على مدى عقود من الزمن خلف أربعة جدران بات يتبدد." مؤكداً " إني اكتشفت الآن أني لم أكن وحيدا بين تلك الجدران، بل أنا محاط ومصحوب بعيون قُرائي دائما، بفضل محبتهم أدركت متأخراً بعض الشيء انني لم أكن أعمل في غرفة بملايين الجدران كما سبق للماغوط أن قالها "بل كنت أعمل في غرفة بآلاف العيون.".العين الرائية بسعة العراق أما عن اتحاد الادباء، ودوره في هذا المنجز، فقد ذكر الامين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق خلال كلمته التي ألقاها نيابةً عن الاتحاد " يقول أمبيرتو إيكو في كتابه الاحتفاء بروائي ناشئ إن البدايات الصحيحة تؤدي الى نتائج صحيحة، وجائزة العويس كانت نتيجة لبدايات أسس لها الركابي، فهو أسس لذاته وأسس لقُرّاءه، وكان يُراهن على نفسه أن يكون كاتباً مرموقاً." مُشيراً إلى الهيئة التي اختارها الكاتب لذاته حيث ذكر الخياط "أن الركابي أختار لوغو لذاته من خلال القبعة والعكاز فبدل أن يجعلهما سبباً للتعاسة والإيلام كانا أهم سببين لسعادته."انتصر الركابي الإنسان على المرض القاتل، وانتصر بهيئة مبدع حين نال الجائزة، كما انتصر من حيث الموقف حين صار من الوجوه البيض التي تجاوزت المحن، لتجابه محنة أكبر وهي محنة الوطن التي حملها كقضية ورسالة طيلة مسيرته فاستحقّ أن يُطلق عليه وكما ذكر الخياط بأنه " العين الرائية بسعة العراق."
أجاد في رسم المشهدفي رحلة قادتهم في سن الصبا أي مرحلة الدراسة الابتدائية الى منطقة بدرة، حيث قاد فضول بعض الطلاب ذهابهم الى القائممقام ليروا رفاهة العيش هناك، أما البعض من قلّة الطلاب قادهم طفل نحو بيت فقير إلا أنه غاية في الكرم، عن هذا اللقاء الاول للدكتور عقيل مهدي المخرج والأكاديمي المسرحي الذي جمعه بالركابي في سنَ الصبا، ليُشير مهدي إلى " كرم عائلة هذا الرجل منذ ذلك الوقت، فالكرم والاحتفاء بالآخر لا يُبرر فيه فقر أو غنى." اختلف الركابي بمنجزه، كما اختلف في طبيعة حياته التي عاشها عن كل من عاصروه او سبقوه أو لحقوا به، يذكر المهدي أن "الركابي تميّز بهذا النفس التشكيلي في كتاباته، فهو يرسم المشهد من خلال الجمل والكلمات، وبهذا كان مؤهلاً لأن يكون كاتباً مسرحياً ."لكل مبدع جانبان إبداعي فني وثقافي وآخر يقع في عمقه وحيواته الخاصة التي لا يلمسها سوى المقربين منه، وهو الجانب الانساني فيذكر مهدي "ان الركابي إنسان نبيل لم يذهب مع الموجة ولا مع أولئك الذين يزوقون الحياة، وقد تأثر الركابي بنجيب محفوظ إلا انه رسم لذاته منهجاً أدبيا وثقافياً خاصا ومميزاً."
نافذة بسعة الحلمواكبه منذ بداياته، فهو يعلم أن لديه العديد من الاصدارات الادبية المنشورة، إلا أن هنالك رواية لم ترَ النور بعد عنوانها "نافذة بسعة الحلم" كتبها عام 1978، يتحدث الباحث والناقد شكيب كاظم عن هذه الرواية قائلاً " كتبتُ عن هذه الرواية حديثاً نقديا نشر في مجلة آفاق الجامعية التي كانت تصدرها جامعة السليمانية، وقد وصفتها برواية الحيز الضيق، ذلك أن الركابي قسم روايته الى ثلاثة فصول الاول الصباح الذي يصوّر فيه طفولة بطل الرواية "حازم" وفي الفصل الثاني الموسوم بالظهيرة يروي علينا فتوّة بطله وشبابه، أما في الفصل الثالث والاخير الذي أطلق عليه الركابي اسم المساء، فيحدثنا عن الجندي حازم الذي شارك في حرب حزيران عام 1967 الذي كان أشد ما يحز في نفسه ان يقبع في تلك الخنادق الرطبة تحت شمس ذلك الصيف القائظ من غير فعل مؤثر، حتى اذا اندلعت حرب تشرين 1973، شارك في معاركها على الجبهة السورية لتبتر ساقاه في عملية اقتحام جريئة لمرتفعات الجولان التي احتلها العدو الصهيوني في معارك حزيران." عن هذه الرواية يجد كاظم ان الركابي استخدم ما عرف نقديا بتيار الوعي الذي قد كتب به الروائيون الاوربيون والغربيون مثل جيمس جويس في روايته يولسيس وارنست هيمنغواي في رائعته الشيخ والحر فضلا عن فرجينيا وولف.
وراء كلّ رجل عظيم امرأةمداخلات كثيرة شهدتها الجلسة من ضمنها مداخلة للناقد والتشكيلي مؤيد البصام الذي أكد انه كتب كثيرا عن منجز الركابي وانه سيكتفي بطرح نقطتين مهمتين الاولى تتحدث عن " " أن عبد الخالق الركابي شخص ملحاح جداً ،يوماً ما طلب مني أشرطة السيمفونية وبعد أن أهديته طلب مني كتباً عن السيمفونية وبعدها سألته عن الاسباب قال إنه يريد أن يكتب رواية عن الموسيقى هذا الإلحاح والدؤوب في الكتابة هي التي أهلته لهذه الجائزة." وراء كل رجل عظيم امرأة، يذكر البصام أنه كما كانت المشاكل كبيرة بين الكبير تولستوي وزوجته إلا أنها كانت تنقح جميع رواياته، كذلك وراء الركابي امرأة عظيمة وهي السيدة "أم بان" ويؤكد البصام " أنا أُحيي الأستاذ عبد الخالق مشتركاً مع زوجته فهي جزء مهم من هذا النصر والنجاح والصمود، فصمودها مع زوجها أسطوري."
الإصرار من بين المداخلات الاخرى التي شهدتها الجلسة مداخلة للفنان منذر علي قائلا إن "اصرار الركابي او الحاسة المختبئة داخله هي التي أنارت له طريق الإبداع في كل شيء، أهديه تهاني عظيمة ،لأنه يستحق هذه الجائزة ويستحق المزيد، وأتمنى أن تكون هذه الجائزة حافزاً لباقي الفنانين ليحصدوا جوائز أخرى."

شارك الخبر على