أميركا والتدخل في هايتي

حوالي شهران فى الإتحاد

يبدو أن هايتي قصة تكرر نفسها، بل تزداد سوءاً بمرور الوقت. ويعد الاجتماع الأخير الذي عقده وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جامايكا مع القادة السياسيين وقادة المجتمع المدني المنقسمين في هايتي بمثابة تذكير بلحظة مماثلة عندما كنت سفيراً للولايات المتحدة في هايتي قبل 20 عاماً. ففي ذلك الوقت، كان من الممكن تجنب أسوأ النتائج من خلال التدخل الأميركي الحاسم. وربما تتطلب أزمة اليوم ذلك أيضاً.في أواخر فبراير 2004، كانت مدينة بورت أو برنس تغرق في حالة من الفوضى. وكانت العصابات الإجرامية الموالية للرئيس «جان برتراند أريستيد» آنذاك في حالة هياج، حتى مع قيام مجموعة من البلطجية العسكريين السابقين بقيادة القائد العسكري «جاي فيليب» بالضغط على العاصمة سعياً للإطاحة بالحكومة. وفي محاولة أخيرة للتوصل إلى تسوية بين المعارضة وأريستيد، قمت بالترتيب لدعوة وزير الخارجية «كولن باول» لحضور اجتماعي مع رؤساء الأحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني. وقد قوبل تعهد «باول» الحماسي بدعم الولايات المتحدة بالرفض القاطع. ومنذ تلك اللحظة، كان هدفي يتلخص في إحباط مخططات هؤلاء المجتمعين في القاعة والذين أصبحوا الآن متحالفين بوضوح مع قوات المتمردين التي كانت تقترب بينما مارست أيضاً الضغوط على أريستيد لحمله على كبح جماح عصاباته الخارجة على القانون.وبدا أن حماماً من الدم بات وشيكاً. ولم يكن من الواضح على الإطلاق أي جانب ستكون له الغلبة وما إذا كانت أي حكومة ستخرج من المذبحة ستكون حكومة يمكن للمجتمع الدولي الاعتراف بها ودعمها. أخيراً فقد أريستيد أعصابه، واتصل بي ليطلب من الولايات المتحدة ترتيب هروبه من البلاد. ثم تمكنا من التفوق على مدبري الانقلاب من خلال تسهيل مهمة خليفته الدستوري كرئيس للبلاد. ولكن بفضل وصول حوالي 2000 من مشاة البحرية الأميركية في الوقت المناسب، تم تجنب الفوضى وتم تشكيل حكومة مؤقتة في عملية أدارتها هايتي.وفي الثقافة السياسية في هايتي، تكاد تكون الثقة والاستعداد للتسوية منعدمة، حيث يخوض الفاعلون السياسيون صراعاً لا نهاية له على السلطة. واليوم، تحاول واشنطن يائسة مرة أخرى التوصل إلى ترتيب سياسي انتقالي، بعد أن دعمت لفترة طويلة «آرييل هنري» كرئيس للوزراء. إنها في سباق مع الزمن، ومن غير المرجح، من وجهة نظري، أن تنجح، أو حتى حمل قوات الأمن الدولية على دخول البلاد، دون توفير الغطاء العسكري الأميركي.ومع ذلك، تبدو إدارة بايدن عازمة على تجنب المشاركة في أي مهمة أمنية دولية في هايتي، حتى مع استمرار المجاعة والقضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة والبنية التحتية العامة. ويمثل هذا تخلياً غير عادي عن النهج الأميركي تجاه منطقة البحر الكاريبي منذ أواخر القرن التاسع عشر.من بين الأخطاء والإخفاقات العديدة التي ارتكبها المجتمع الدولي على مر العقود، ربما لم يكن هناك ما هو أكثر مصيرية من القرار - المدعوم من إدارة ترامب - بسحب جميع أفراد الجيش والشرطة التابعين للأمم المتحدة من هايتي بين عامي 2017 و2019. فقد أدى ذلك إلى الانهيار التدريجي لمؤسسات الدولة وفتح الباب أمام الفوضى التي تجتاح البلاد الآن.وفي الأزمة الحالية، يدعو كثيرون إلى إيجاد حلول بقيادة هايتي، أو حتى حلول تقتصر على هايتي فقط، ولكن هذا غير واقعي في ضوء الوضع الأمني. لقد كافحت قوات الشرطة في هايتي، التي تتفوق عدداً وتسليحاً، بشجاعة من أجل الحفاظ على الدولة، ولكنها قد لا تصمد أمام العصابات الإجرامية التي شكلت مؤخراً تحالفاً للاستيلاء على السلطة. وفي هذه الظروف العصيبة، من الصعب للغاية أن نتصور كيف يمكن تشكيل أي حكومة شرعية مؤقتة. من المرجح أن ينجح فيليب، الذي أعادته واشنطن لسبب غير مفهوم إلى هايتي قبل أربعة أشهر بعد أن قضى عقوبة فيدرالية بتهمة غسل الأموال المتعلقة بالمخدرات، في تحقيق ما فشل في تحقيقه قبل 20 عاماً - عندما منعه الدبلوماسيون الأميركيون من دخول أبواب القصر الوطني. إذا حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة ستواجه دولة فاشلة يديرها مجرمون وتجار مخدرات، وتقع على بعد حوالي 700 ميل من فلوريدا. وحتى إدارة ترامب المستقبلية التي تعترف بعدم الاكتراث بالمعاناة الإنسانية في هايتي، سيتعين عليها أن تواجه مشاكل متعددة تتعلق بإنفاذ القانون والأمن القومي، والتي تمتد إلى شواطئنا.إن التدخل العسكري في هايتي أمر مقيت بشكل مفهوم بالنسبة لإدارة بايدن نظراً للتحديات الأمنية المتعددة التي تواجهها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. لكن الوضع تدهور لدرجة أن واشنطن قد لا يكون أمامها خيار سوى شن عملية مختصرة لتحل محل العصابات وتسهيل عملية الانتقال السياسي.ومع وجود حكومة جديدة، تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم بسرعة بتسليم المسؤولية الأمنية إلى المجتمع الدولي، الذي يرتكز على فرقة من الشرطة الكينية التي وافقت عليها الأمم المتحدة بالفعل. ولكن من دون ذلك، ستتزايد احتمالات حدوث انهيار نهائي والحاجة إلى تدخل أكبر.
جيمس بي فولي
سفير الولايات المتحدة لدى هايتي خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2005ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على