هل يحدث انفلات نووي؟

حوالي شهر واحد فى الإتحاد

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط»، الأسبوع الماضي، حديثاً مع الأكاديمي والسياسي اللبناني القدير غسان سلامة حول كتابه الجديد Tentation de Mars، بالإشارة إلى «مارس» إله القوة والحرب في الميثولوجيا الإغريقية والرومانية. وأكتب هذه المقالة من وحي الحديث وليس لأني قرأت الكتاب الذي صدر هذا الشهر باللغة الفرنسية، ولا أعتقد أنه تُرجم للعربية، وإن كنتُ أتصور أن الترجمة العربية لن تتأخر لأهمية موضوع الكتاب ومكانة مؤلفه، فهو الأكاديمي اللبناني البارز الذي امتد عطاؤه العلمي عربياً وعالمياً، فضلاً عن جمعه بين الدور الأكاديمي والممارسة السياسية من خلال توليه منصب وزير الثقافة اللبناني (2000-2003)، ورئاسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (2017-2020)، وفي كل أدواره كان عطاؤه أصيلاً ولافتاً. ولن تناقش هذه المقالةُ الكتابَ بطبيعة الحال، وإنما تعلق على فكرة مهمة وردت فيه بخصوص ما إذا كانت القيود قد تراخت أو الاستعدادات قد زادت لتوظيف السلاح النووي في صراعات القرن الحالي بعد أن كانت مُحْكَمَة إلى حد كبير ليس فقط في عصر الحرب الباردة ولكن أيضاً في السنوات التي تلت نهايتها مباشرة! والحقيقة أن هذه الفكرة تأتي في سياق عدد من الموضوعات المهمة للمتخصصين في العلاقات الدولية والمهتمين بالشؤون العالمية عموماً، وقد طرحها المؤلف في كتابه، وهي أفكار جديرة بالمناقشة لأهميتها بعد القراءة المدققة لها.أما الفكرة التي تركز عليها المقالة فهي ما ورد في حديث الدكتور سلامة بشأن ما أسماه «تفتيت المُحَرَّم النووي»، ويقصد به ما يمكن تسميته بانتكاسة التطورات الإيجابية التي حدثت بشأن منع الانتشار النووي عقب نهاية الحرب الباردة، والتي تمثلت في تمديد اتفاق الامتناع عن نشر الأسلحة النووية إلى ما لا نهاية، بعد أن كان محدداً زمنياً، وقبول دول كثيرة -على رأسها الولايات المتحدة وروسيا- خفض ترسانتها النووية، والاتفاق على نقل أسلحة نووية كانت موجودة في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي -كأوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان- إلى روسيا، ودعوة وزراء خارجية أميركيين سابقين على رأسهم هنري كيسنجر إلى نزع كامل للسلاح النووي.. إلخ. أما الآن فيبدو أن الدول النووية جمعاء تسعى لزيادة وتجديد ترسانتها النووية، غير أن المؤشر الأهم هو أن حديث استخدام السلاح النووي في الحرب الدائرة في أوكرانيا أصبح مألوفاً من قبل القيادة الروسية حال تعرض بقاء روسيا الاتحادية للخطر، وهو حديث يرتبط من دون شك بحديث قادة غربيين عن السعي لهزيمة روسيا في هذه الحرب، وهذا موقف يختلف جذرياً عن الموقف المصاحب لأزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا 1962، ففي تلك الأزمة كان الاتحاد السوفييتي يرمي إلى حماية دولة صديقة من هجوم أميركي محتمل، وقد تحلى طرفَا الأزمة آنذاك برشادة ظاهرة أوصلتهما لاتفاق متوازن، أما في حرب أوكرانيا الدائرة حالياً فإن روسيا قد ضمت الأراضي الأوكرانية ذات الأغلبية السكانية الروسية، وتعتبر الحديثَ عن تغيير هذا الوضع غير وارد، فيما تصر أوكرانيا على استعادة أراضيها، ومن هنا يبدو أننا في مواجهة سيناريوهين لا ثالث لهما: إما انتصار روسيا في الحرب، أو لجوؤها إلى السلاح النووي حال بدا أن ثمة مؤشرات على هزيمتها.. ولعل هذا المشهد المرعب هو ما دفع الدكتور غسان سلامة إلى طرح هذه الفكرة.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على