غزة.. وازدواجية المعايير

أكثر من سنة فى الإتحاد

هل يتبنى الغرب معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فيسارع لانتقاد كل ما تقوم به بقسوة لا ضرورة لها؟ عندما طُرح عليه سؤال بشأن إراقة الدماء التي يشهدها قطاع غزة في برنامج «فيس ذا نيشن» («واجه الأمة») نهاية الأسبوع الماضي، أجاب رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «ماذا كانت ستفعل أميركا» بعد شيء مثل هجوم السابع من أكتوبر من قبل «حماس»؟ 
كل هذا يبدو لي صحيحاً وخاطئاً في آن واحد: ملاحظة في محلها وأخرى مجانبة للصواب. سأبيّن لماذا هي مجانبة للصواب بعد قليل، غير أنه مما لا شك فيه أن العالم يدقق على القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، مقارنة بالعديد من الفظاعات الأخرى. ففي 2023، على سبيل المثال، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 15 قراراً منتقداً لإسرائيل، و7 قرارات فقط منتقدة لكل البلدان الأخرى في العالم مجتمعة، وفقاً لإحصاء منظمة مؤيدة لإسرائيل. فهل يعتقد أحد أن ذلك يمثّل عدلاً؟الواقع أن الناس ربما يركزون على إسرائيل أكثر من تركيزهم على ما تصفه منظمة اليونيسف بـ«موجة الفظاعات» التي تُرتكب حالياً في حق الأطفال في السودان، رغم أن عدد الأطفال الذين شُردوا بسبب القتال الأخير في السودان (3 ملايين طفل) أكبر من إجمالي سكان غزة. كما أن طلبة الجامعات في أميركا وأوروبا يحتجون على ما يجري في غزة، ولكنهم يتجاهلون عموما معاناة الـ700 ألف طفل الذين يواجهون حالة شديدة من سوء التغذية الحاد في السودان، بعد أن اندلعت حرب أهلية هناك في أبريل الماضي. وعليه، فهل هناك معايير مزدوجة في الاهتمام العالمي؟ بكل تأكيد، لكن ما يصدمني أيضاً باعتباره سلوكاً ينم عن انعدام الضمير – وهنا أنتقل إلى الجانب الآخر – هو استخدام نفاق العالم، مهما كان مقيتاً، لتبرير مقتل الآلاف من الأطفال في غزة.وهو ما يذكّرنا بتكتيك «ماذا عن...؟» الروسي (أي أسلوب الخطاب الذي يقوم على محاولة تشتيت الانتباه وصرفه عن الانتقادات أو التساؤلات، بدلاً من الرد عليها بشكل مباشر، وذلك عبر تحويل التركيز إلى التناقضات المزعومة في موقف الخصم): كيف يمكنك التحدث عن حربنا في أوكرانيا في حين أنكم -أنتم أيها الأميركيون - غزوتم العراق وعذبتم الناس هناك؟صحيح أيضاً أنه إذا كان بعض طلبة الجامعات ربما مذنبين بالانتقائية في الغضب، فإن هذا لا ينطبق على كل المراقبين. ذلك أن بعض أشد المنتقدين لما تقوم به إسرائيل هم من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان نفسها التي يجازف موظفوها بحيواتهم في الميدان لإنقاذ الأرواح في السودان وإثيوبيا ودول أخرى. وعلى كل حال، هناك سبب وجيه للتركيز على غزة اليوم، وهو أنها ليست مجرد مكان آخر للمعاناة الإنسانية من بين أماكن مماثلة عديدة، ولكنها المكان الأكثر خطورة في العالم بالنسبة للأطفال، وفقاً لمنظمة اليونيسف.ولنتأمل هنا التالي: فخلال الأشهر الـ18 الأولى من الحرب الروسية الحالية في أوكرانيا، قُتل 545 طفلاً على الأقل. وفي 2022، قُتل ألفان و985 طفلاً في كل الحروب عبر العالم، حسب إحصاء الأمم المتحدة. وبالمقابل، وفي أقل من 5 أشهر من الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة، أفادت السلطات الصحية هناك بمقتل أكثر من 12 ألف و500 طفل. من بينهم 250 رضيعاً تقل أعمارهم عن عام. والحق أنني لا أستطيع التفكير في أي حرب في هذا القرن قتلت الأطفال بمثل هذه الوتيرة.بطبيعة الحال، كان لدى إسرائيل الحق في الرد عسكرياً على هجمات 7 أكتوبر. وبطبيعة الحال، يجب على قادة «حماس» أن يُخلوا سبيل رهائنهم. لكن لا شيء من هذا يبرر القصف الإسرائيلي «العشوائي»، كما قال الرئيس جو بايدن، ولا شيء من هذا يبرر القيود المفروضة على الغذاء والمساعدات الأخرى. وبسبب دعم أميركا للغزو الإسرائيلي والحماية الدبلوماسية التي توفّرها له في الأمم المتحدة، تلطخت أيدينا بهذه الدماء، وهو ما يبرّر بكل تأكيد زيادة التدقيق. غير أن هناك معايير مزدوجة أخرى: فنحن - الأميركيين - نندّد بروسيا أو الصين أو فنزويلا بسبب ما نراه انتهاكات لحقوق الإنسان، ولكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسياً رغم انخراط هذه الأخيرة في ما وصفه بايدن بحملة عسكرية «جاوزت الحد». وفي هذا الصدد، تساءل السيناتور بيرني ساندرز: «كيف للولايات المتحدة أن تندّد بالقصف الروسي للمدنيين في أوكرانيا باعتباره جريمة حرب في حين أنها تموّل آلة حرب نتنياهو التي قتلت الآلاف؟». ولهذا، فإنه من العدل والإنصاف الحديث عن ازدواجية المعايير. فهي حقيقية. وموجودة في عدة اتجاهات، إذ إنها تحمي إسرائيل وتدينها في الوقت نفسه. وفي عالم نترابط فيه جميعاً بإنسانيتنا المشتركة، أعتقدُ أننا لا ينبغي لنا أبداً السماح باستخدام تشابكاتنا وتعقيداتنا الإنسانية المتمثلة في المعايير المزدوجة والنفاق لصرف الأنظار عن مأساة أطفال غزة المتواصلة اليوم، أو عن تواطؤ أميركا فيها. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

شارك الخبر على