مكاوي سعيد.. صاحب البهجة يعزف التغريدة الأخيرة (بروفايل)

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

قبل أيام نعاها صاحب "تغريدة البجعة" عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك" بأبيات شعرية من روائع الخال عبد الرحمن الأبنودي من قصيدة "قاللي الوداع"، التي غنتها المطربة الراحلة شادية بصوتها العذب الرقيق: "بصيت عليه في الليل ماشي والدمعة حايرة مانزلاشي، شايفاه بيبعد بعيد بعيد بالفرحة بعيد بعيد، بالذكريات والعيد مشي حبيبي ماخلاشي وقاللي الوداع.. حط إيده في إيدي وقاللي الوداع".. لم يكن أحد يدري أنه ينعي بها نفسه، ويودعنا بأثر رجعي، ليعزف التغريدة الأخيرة. 

عندما تشعر بقرب نهايتها تذهب البجعة إلى الشاطئ لتطلق تغريدتها الأخيرة وتموت فى صمت.. هكذا ودعنا مكاوي سعيد في أشخاص روايته الشهيرة "تغريدة البجعة"، لأشخاص أنهكتهم الحياة إلى أن انتهكت آدميتهم بقسوة وهم يرقصون على إيقاع الحياة ​رقصات متتالية، ورحل في صمت بعد أن اقترب من نهايته وترك أبطال روايته يجترون ذكريات عدة عن الحب والأصدقاء والأهل وعلاقتهم بالأجانب ورؤيتهم لأطفال الشوارع واحتكاكهم به.

مكاوي يسرد لنا في التغريدة بأسلوبه السهل البسيط الذي لا تكلُّف فيه أو مبالغة بما آل إليه المجتمع من تدهور وسلبيات وتناقضات من ارتفاع المد الأصولى فى مصر، ومن الشيوعية إلى الوهابية ينقلب حال أحد الأبطال فى مفارقة أخرى فقط ليشعر بقيمة النضال مرة أخرى وسط مجتمع فاسد.

الموت يأتي فجأة دون أي رحمة بنا، ويجعل حياتنا تشبهه تمامًا.. عند محطة الستين رحل صاحب تغريدة البجعة، التي رُشح من خلالها للفوز بجائزة البوكر بين عامي 2007 و2008. "الركض وراء الضوء"، أولى مجموعاته القصصية وفئران السفينة، وأن تحبك جيهان، مقتنيات وسط البلد، وكراسة التحرير التي خشيت بعض دور النشر أن تنشره عن الحكايات والأمكنة وانفرطت آخر حبات عمره مع بداية دخوله عقده السابع، وتوقفت حكاوي عمدة القاهرة الخديوية عند زهرة البستان حتى حزمت البهجة حقائبها.

مكاوي سعيد بدأ مشروعه الأدبي قبل أربعة عقود وتحديدًا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي كاتبًا للقصة القصيرة متأثرًا بالأديب الدكتور يوسف إدريس، وكان حينها مهتما بكتابة الشعر العامي والفصيح عقب تأثره بدواوين الشعراء صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي والبياتي والسياب والفيتوري، وحين كان طالبًا في كلية التجارة بجامعة القاهرة نُشرت له عدة قصائد في مجلة صوت الجامعة وغيرها، وكانت له نشاطات ثقافية عدّة ومشاركات في الندوات الثقافية بالجامعة حتى حصل على لقب شاعر الجامعة عام 1979.

وكان مكاوي سعيد ينشر سلسلة مقالات تاريخية بعنوان "التاريخ الذي أحمله على ظهري" بدأها في عدد من المواقع الإلكترونية يحكي فيه عن خلاصة تجربة الدكتور سيد عويس، أستاذ علم الاجتماع البارز وصاحب كتاب "هتاف الصامتين"، ويحمل فى طياته دراسة تمزج بين التجربة الذاتية ودقة الملاحظة والبحث العلمى، وقد صاغها فى حكاية شائقة تجمع الجوانب الثقافية والاجتماعية والتاريخية للمجتمع المصرى، بعد أن غاص بفضل تجربته ودراسته فى أعماق التراث والقيم والفنون.

في "أن تحبك جيهان" نسج مكاوي لنا غزلًا راقيًا وزخمًا أدبيًا يغذي العقل معرفيًا من خلال الإجادة في تصوير الأحداث، والمشاهد تصويرًا أدبيًّا مرموقًا في شكل أفكار وفصول في كشفه الغطاء عن رجل الدولة (عماد صدقي) المتمتع بالسيادة وعدم احترام القانون، لكن (أن تحبك جيهان) رصدت أهم الأحداث العالمية، وهي خروج الشعب المصري في ميدان التحرير ثائرًا على تلك الدولة مطيحًا برأسها في مثل ذلك اليوم.

اللحظة التي تتحول فيها من "كابتن" إلى أستاذ إلى "عمو".. هذه لحظة قاسية ومروعة، يقول مكاوي في إحدى رواياته عن تجربة أديب في منتصف العمر، إذا أردت أن تكون صديقي فلتحرص على أن يزيد عمرك على 51 سنة.. هذه هي الطريقة المثلى لتنال ثقتي وحبي بلا حدود، ولم يكن يعلم أن محطته الأخيرة ستقف عند 61 عامًا لتعزف البجعة تغريدتها الأخيرة بإيقاع سريع.

شارك الخبر على