بين بايدن وترامب.. وسيناريو ١٩٨٠

٤ أشهر فى الإتحاد

استدعى انخفاضُ شعبية الرئيس بايدن والعراقيلُ السياسية المتعددة عقدَ تشبيهات مع رئيس «ديمقراطي» آخر حكم لولاية واحدة فقط هو جيمي كارتر والتحديات التي واجهها في الترشح لإعادة انتخابه في عام 1980، إذ يفكر العديد من «الجمهوريين» حالياً في هزيمته آنذاك على يد رونالد ريغان، متفائلين بأن دونالد ترامب يملك هو أيضاً ما يلزم للإطاحة برئيس «ديمقراطي» آخر تشارف ولايتُه على الانتهاء. والواقع أن سباق 2024 أخذ يتخذ شكلاً يشبه إعادة سيناريو 1980، وإنْ مع تطور مهم. ذلك أن أوجه الشبه الأهم قد تكون بين ترامب وكارتر وصعوبة حصولهما على دعم الناخبين، وكذلك بين بايدن وريغان ومحاولاتهما معالجة وتبديد الشكوك بشأن سنهما.
والأكيد أن أوجه الشبه بين كارتر وبايدن حقيقية هي أيضاً، ذلك أن معدل التأييد الشعبي لأداء بايدن في عامه الثالث في الرئاسة هو الأدنى بالنسبة لرئيس حالي منذ كارتر، كما أن الأميركيين غير راضين عن حالة الاقتصاد وعن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد تماماً كما كان موقفهم في عهد كارتر. في عام 1980 كان قد بات واضحاً على نحو متزايد أن هناك سقفاً أو حداًّ أقصى لدعم الناخبين لكارتر، إذ كانوا قد قرروا أنهم لا يريدون منحه فترة ولاية ثانية، وكان التأييد الشعبي لأدائه في نهاية مارس قريباً من الحصة النهائية من الأصوات التي حصل عليها في نوفمبر والبالغة 41 في المئة. وفي سباق هذا العام، يمكن القول، إن ترامب هو الذي يشبه كارتر كثيراً في أهم الجوانب، بما في ذلك سقف الدعم السياسي الذي يحظى به.
وعلى سبيل المثال، فأكثر الشخصيات تحفيزاً وإثارة للانقسام في عامي 1980 و2024 هما كارتر وترامب. وكما هو الحال مع كارتر، فإن معظم الناخبين لديهم آراء ثابتة بشأن ترامب. ذلك أن قدرته على إلهام قاعدته لا تضاهيها إلا قدرته على تنفير بقية الناخبين، كما تدل على ذلك الضرباتُ التي تلقاها الحزب الجمهوري في انتخابات 2018 و2020 و2022. وفي نهاية المطاف، لم يتمكن كارتر من كسب تأييد عدد كافٍ من الناس وزيادة حصته من أصوات الناخبين. والواقع أن ترامب يواجه التحدي نفسه هذا العام.
وبالمقابل، استفاد ريغان من دعم «الديمقراطيين» المناوئين لكارتر، وبايدن يستطيع الحصول على أصوات بعض «الجمهوريين» المناوئين لترامب، لا سيما في حال أُدين الأخير قضائياً قبل الانتخابات. ولا شك في أن بايدن يعوّل على نقاط الضعف هذه لهزيمة ترامب، لكن بايدن مطالَب بالمزيد أيضاً، فأحد الدروس المستفادة من حملة 1980 الرئاسية أن عدم الرضا عن أحد المرشحين لا يكفي لحسم مصيره إذا لم يستطع الخصم تجاوزَ عتبة الناخبين بخصوص المقبولية.
ولهذا فحتى يعاد انتخابه، يحتاج بايدن إلى تخطي العتبة نفسها التي تخطاها ريغان. في عام 1980، ظل الناخبون لفترة طويلة متشككين بشأن سن ريغان ومزاجه، لكن بالنظر إلى مخاوفهم بشأن كارتر فقد استمروا في خفض سقف توقعاتهم بشأن ما يحتاجون إلى رؤيته من ريغان لكسب دعمهم. ولم يتمكن ريغان من إقناع الجمهور بأنه في مستوى تحديات المنصب إلا بعد المناظرة التي جمعت بين الرجلين في 28 أكتوبر.
ووفقاً لمؤسسة غالوب، فإن ريغان كان متخلفاً قبل المناظرة عن كارتر بـ8 نقاط بين الناخبين المسجلين وبـ3 نقاط بين الناخبين المحتملين. لكن مباشرةً بعد تلك المناظرة تقدَّم ريغان بـ3 نقاط بين الناخبين المحتملين، وبعد أسبوع على ذلك، حقق فوزاً كاسحاً على كارتر. الأمر لا يتعلق بفوز ريغان بالمناظرة بقدر ما يتعلق بكونه فعلَ ما يكفي من أجل طمأنة الناخبين بأنه أهل للمنصب وفي مستوى تحدياته. لقد كان في حاجة لعقد الصفقة.
ويمكن القول، إن أمام بايدن اليوم مهمة مماثلة. فعلى غرار ريغان، يتعين على الرئيس بايدن أن يبدّد الشكوك العميقة بشأن سنّه وقدرته على إعادة البلاد إلى المسار الصحيح خلال السنوات الأربع المقبلة.
والأهم من ذلك هو أنه على الرغم من امتلاكه قاعدة سياسية مختلفة عن قاعدة ريغان، فإنه ينبغي له استمالة المجموعات المتأرجحة نفسها التي استمالها ريغان من أجل الفوز في 1980، أي الناخبين المتعلمين في الجامعات، والناخبين المستقلين، والناخبين من سكان الضواحي، والناخبين المعتدلين. وهي مجموعات كان بايدن قد فاز بأصواتها في عام 2020. ولتكرار نجاحه مع هذه المجموعات المهمة ومع الناخبين الآخرين، يحتاج بايدن للقيام بأكثر من مجرد مهاجمة ترامب.
فالتحدي الأكبر الذي يواجهه بايدن في هذه المرحلة ليس ترامب وإنما بايدن نفسه. فهل يستطيع إقناع الناخبين بأنه في مستوى المنصب كما فعل ريغان؟ الواقع أنه على مدى الأشهر التسعة المقبلة سيُمنح الناخبون تذكيراً يومياً بمدى الفوضى التي ستكون عليها السنوات الأربع المقبلة في حال تم انتخاب ترامب! لكن في نهاية المطاف، فإن بايدن هو الذي يعود إليه أمر إقناع عدد كافٍ من الناخبين بأنه في مستوى النهوض بمهام الرئاسة وهو في منتصف الثمانينيات من عمره. أما إذا لم يستطع القيام بذلك، فليس مهماً ما تشعر به البلاد تجاه ترامب.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» *مستشار الرئيس بيل كلينتون بين عامي 1994 و2000

شارك الخبر على