الطبقة الوسطى ومحمد رمضان ومحاولات فاشلة لجلد الذات

حوالي ٩ سنوات فى التحرير

انتهى الموسم الرمضاني، ولم تنته آثاره وانعكاساته الاجتماعية. مسلسل محمد رمضان "الأسطورة" كان محل جدل بين أبناء الطبقة الوسطى
والنقاد ومحللي العلوم الاجتماعية، لما حمله المسلسل -من وجهة نظرهم- من رسائل تطبيع المجتمع مع العنف وخرق القانون وسيادة الأقوى. كان يتم استدعاءٌ للنقاش حول محمد رمضان، هو وجمهوره الغريب الذي يجذب البلطجية والمهمشين المبعدين عن جنة القاهرة الأخلاقية. لم أجد في ادعائهم الصحيح حول جمهور رمضان أي انتقاص منه كفنان أو من محتوى الرسالة، بل يعني أن رسائل الأسطورة لها صدى وجذور في المجتمع، و ليس مجرد مسلسل يبني نسخة أخرى من المجتمع مخالفة للطبيعة.صعود "الأسطورة" في الأوساط الشعبية المهمشة توازَى مع اهتمام شديد من الطبقتين الوسطى العليا والعليا بمسلسلى "جراند أوتيل" و"أفراح القبة". قدم الأسطورة إسقاطا شعبيا على عالم اليوم، وفي مسلسل النخبة "جراند أوتيل" تم تقديم نسخة كلاسيكية عن مصر، وتأجيج مشاعر النوستالجيا تجاه عصر الهوانم والباشاوات ومصر الكولونيالية حيث استنساخ نموذج المعيشة الإنجليزي ووجود سادة و"عبيد". أما نموذج "أفراح القبة" فهو حول أزمة هوية الطبقة الوسطى في فترات انحدار المجد الناصري. صورة رسمها لنا "نجيب محفوظ" في إحدى رواياته التي لم يسلط عليها الضوء قبل صناعة المسلسل. نموذج "أفراح القبة" يعيد إلينا محاولات نجيب محفوظ لجلد ذات الطبقة الوسطى 
ولإفاقتها من هزيمتها كـ«ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل».  

بالعودة إلى موضوع المقالة "مسلسل الأسطورة"، أجد أن أزمتي مع مجتمع الطبقة الوسطى القاهري، أنه مجتمع عنصري في طبعه، عنصرية لا يمكن إنكارها. أزمتهم مع محمد رمضان، أنه تذكير لأهل المركز في القاهرة بأن غالبية رجالات المجتمع ليسوا أصحاب بشرة بيضاء كأحمد عز وكريم عبد العزيز، وأن رمضان يمثل الأغلبية الساحقة من المصريين من حيث لون البشرة الداكنة ووضعهم الاجتماعي المتواضع. 
لذلك طبعًا، يتم الاستدعاء لنقاش أن جمهور رمضان "سمكرية، ونقاشين، وبلطجية، 
وحَوَش"، للتحقير من الأغلبية سمراء اللون، لأن أهل الطبقة الوسطى القاهرية لا يمتلكون أي ميزة حقيقية على باقي "الحوش" غير وجودهم في القاهرة "المركز" 
وتحصلهم على قدر اجتماعي يجنبهم الكوارث الناتجة عن انهيار/ تحلل الدولة على صعيد التعليم والصحة والبنية التحتية.

أسطورة محمد رمضان مبنية على بلطجة وسلاح ونساء وجدعنة وزعامة للمنطقة الشعبية. في الأسطورة عالم تجار السلاح والبلطجة مرتبط بفساد الشرطة، وهكذا هو الواقع دون ادعاء. في أبريل 2016، تم ضبط عصابة إجرامية بزعامة "الدكش 
وكوريا" في القليوبية، وتورطوا في عملية قتل المقدم مصطفى لطفي رئيس مباحث قسم ثانى شبرا الخيمة. بعد التحقيقات تبين أن الدكش وكوريا كانا على علاقة بضباط داخلية، ممّن يتحصلون على رشاوى مادية، بغرض التغاضي عن أعمال البلطجة وصفقات المخدرات وإخبارهم بمواعيد الحملات الأمنية. في الأسطورة كان طريق الثراء مرتبطا بصناعة السلاح والبلطجة، وهكذا كان الحال مع شخصية مشابهة "نخنوخ" وهو زعيم لشبكة بلطجة توفر أعمال حماية للنوادي الليليلة، وتأدية خدمات انتخابية للمرشحين. 
هذا هو واقعنا بدون محاولاتنا لتجميل كل ذلك، ووصفه بأنه نابع من خيال الدراما 
والسينما. 

نسب مشاهدة مسلسل الأسطورة "الضخمة" في الحواري والمناطق الشعبية، هى تذكير للأقلية القاهرية بالأكثرية من المهمشين على الأطراف.

شارك الخبر على