"التنين" يحفز الاقتصاد بتحرير السيولة.. هل ينجح؟

٥ أشهر فى تيار

تعمل الصين على تكثيف التحفيز النقدي بهدف إتاحة المزيد من السيولة ودعم الاقتصاد وتعزيز الثقة في السوق، وذلك من خلال خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك أوائل فبراير المقبل، بحسب تصريحات لمحافظ بنك الشعب الصيني بان غونغ شنغ.
 
هذه الخطوة تأتي في ظل ما يعانيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تحديات كبيرة بفعل جائحة كورونا التي أدت إلى تباطؤ وتيرة نموه، وفي مقدمتها الأزمة العقارية التي تجلت في معاناة القطاع من نقص حاد في السيولة منذ أواخر العام 2021 عندما عجزت أكبر شركتين للتطوير العقاري في البلاد عن سداد ديونهما وهما "كانتري غاردن" و"تشاينا إيفرغراند"، الأمر الذي أدى إلى تراجع ثقة المستهلكين في الشركات العقارية.
 
هذا إلى جانب تحديات أخرى يعاني منها الاقتصاد مثل ضعف ثقة المستهلكين وتراكم الديون لدى الحكومات المحلية وضعف النمو الاقتصادي العالمي، ما دفع خبراء ومهتمين للتشكيك في قدرة الإجراءات التحفيزية على تعزيز ثقة السوق؟
 
وسيخفض المركزي الصيني نسبة الاحتياطي المطلوب من البنوك بنصف نقطة مئوية، حيث ستوفر هذه الخطوة في الخامس من فبراير المقبل نحو تريليون يوان صيني (139 مليار دولار) من رأس المال طويل الأجل في السوق.
 
ويعد هذا الخفض الأول في متطلبات الاحتياطي هذا العام، بعد إجرائين مماثلين العام الماضي، كان آخرها في سبتمبر الماضي، في حين يؤدي خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى تحرير السيولة حتى تتمكن البنوك من تقديم قروض للعملاء وشراء مزيد من السندات لدعم نمو الاقتصاد.
 
وقال تاو وانغ رئيس قسم الاقتصاد والتحليل في آسيا: "إن ما أعلنه بنك الشعب الصيني يعد بداية تحول سياسي من الإجراءات التفاعلية والمجزأة السابقة من قبل المستثمرين، وسوف يستمرون في البحث عن المزيد من الإشارات وأعمال دعم السياسات"، بينما قال كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك يو بي إس للاستثمار وفقاً لشبكة CNBC: "كانت بكين مترددة في الشروع في برنامج تحفيز ضخم، الأمر الذي من شأنه أيضاً توسيع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة نظراً لموقف الاحتياطي الفيدرالي المتشدد بشأن السياسة النقدية.
 
تأثير إيجابي لكن قصير الأجل
 
بدوره، قال مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" "لطالما كان الاستقرار السياسي والاقتصادي والقانوني واحداً من أسس الاستثمار الناجح في أي اقتصاد في العالم، وعندما تختل هذه المعادلة أو تتغير أو تتعرض لتحديات كبيرة عندها قد تكون ردة فعل الأسواق قاسية وهذا بالضبط ما حصل في الصين (ثاني أضخم اقتصاد في العالم وثاني أضخم سوق مالي في العالم بأصول تتجاوز 8 تريليون دولار".
 
وأضاف سلهب: "فمؤشرات الأسهم الصينية الرئيسية لم تستطع اللحاق بأداء نظيراتها الأميركية والأوروبية واليابانية في عام كامل بعد أن تراجع مؤشر شانغهاي -12 بالمئة في عام، وتراجع مؤشر شانغهاي بين 19 و50 بالمئة وكذلك شانغهاي 300 الذي خسر -21 بالمئة".
 
إن محاولة الحكومة الصينية دعم الاقتصاد من خلال تخفيض الاحتياطي المطلوب للبنوك في سبيل تعزيز السيولة سيكون له تأثير إيجابي قصير الأجل ولن يكون الأخير لأن الخطوة المقبلة قد تكون تخفيض الفائدة الأساسية من قبل بنك الشعب الصيني (الفائدة عند بنك الشعب الصيني حالياً عند 3.45 بالمئة)، بحسب سلهب.
 
الحملات على شركات التكنولوجيا رسائل خاطئة
 
ويرى كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أنه لا يمكن للمستثمرين في العالم تجاهل ثلاثة تفاصيل غاية في الأهمية هي:
 
• الحملات التي قامت بها السلطات الصينية قبل عامين على شركات التكنولوجيا الكبرى (علي بابا ومؤسسها جاك ما) ترسل رسائل خاطئة للأسواق ولا يمكن أصلاً ضمان عدم حدوثها مجدداً خاصةً إذا كانت ذات طابع سياسي وليست مرتبطة بمخالفة القوانين مثلاً.
• الأخطار الجيوسياسية – الاقتصادية الحقيقية في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض لأن عودته أو عودة صقور الجمهوريين ستعني حرباً تجارية متجددة بين الولايات المتحدة والصين.
• من الصعب إقناع العالم عموماً والشركات الاستثمارية الكبرى خصوصاً بقدرة نظام الحزب الشيوعي الواحد في الصين على الانفتاح الاقتصادي الكامل وتحقيق شفافية استثمارية – قانونية وبالتالي ضمان دخول مليارات جديدة إلى السوق الصيني.
 
الديمومة الاستثمارية ترتبط بإحداث تغييرات بنيوية في الاقتصاد
 
ويشير سلهب إلى أن رأس المال الجريء سيستهدف الصين في المدى القصير، لكن تحقيق ديمومة استثمارية وتدفقات نقدية مستمرة سيكون مرتبطاً بتغييرات بنيوية في آلية الاقتصاد الصيني، لكن في الوقت ذاته يرى أن الصينين لن يقوموا بهذه التغييرات لأسباب سياسية – سيادية واقتصادية داخلية.
 
وعلى الرغم من ذلك هناك فرصة كبيرة في قطاعات مختلفة في السوق الصيني ولكن من يدخل السوق الصيني يجب عليه معرفة "تكتيكات" الخروج قبل حتى التفكير ببناء مراكز استثمارية متوسطة وطويلة الأجل وفقاً كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA".
 
ضغوط انكماشية
 
وأبقت الصين أخيراً على أسعار الفائدة الرئيسية على الإقراض دون تغيير، وهو ما يتوافق مع التوقعات، حيث جاء القرار بعد أن فاجأ بنك الشعب الصيني الأسواق الأسبوع الماضي بإبقاء سعر فائدة الإقراض متوسط الأجل ثابتًا على الرغم من البيانات الأخيرة التي تؤكد الطبيعة غير المتوازنة للانتعاش الاقتصادي في الصين والضغوط الانكماشية التي تدفع تكاليف الاقتراض الحقيقية إلى الارتفاع.
 
وتم الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي على القرض لمدة عام واحد (LPR) عند 3.45 بالمئة، ولم يتغير سعر الإقراض لمدة خمس سنوات عند 4.20 بالمئة.
 
وتعتمد معظم القروض الجديدة والمستحقة في الصين على معدل الفائدة على القروض لمدة عام واحد، في حين يؤثر معدل الخمس سنوات على تسعير الرهن العقاري.
 
خفض الفائدة يضغط على اليوان
 
ويرى جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في "كابيتال إيكونوميكس" أن خفض الفائدة في هذه المرحلة يمكن أن يؤدي إلى ضغوط انخفاض إضافية على العملة، وهو أمر يريد بنك الشعب الصيني تجنبه، متوقعاً أن يستأنف بنك الشعب الصيني تخفيضات أسعار الفائدة بمقدار 20 نقطة أساس بحلول نهاية الربع الثاني عندما وذلك عند استعادة اليوان بعضاً من قوته.
 
ويشار إلى أنه تم تخفيض سعر الفائدة على القروض لمدة عام مرتين في العام الماضي بما مجموعه 20 نقطة أساس، في حين تم تخفيض سعر الفائدة على القروض لمدة خمس سنوات بمقدار 10 نقاط أساس.
 
نجاح الحل الصيني يعتمد على توقف البنوك المركزية عن رفع الفائدة
 
من جهته، يقول أشرف العايدي الرئيس التنفيذي لشركة "Intermarket Strategy": "هناك نوعان من التدخلات المالية والاقتصادية التي تتميز بها الصين عن غيرها، الأول هو منع بيع الأسهم على المكشوف وهي حلول مؤقتة تشجع المستثمرين الكبار على شراء الأسهم، والثاني هو ضخ السيولة في السوق وتخفيض الفائدة وهذا ما تفعله الصين حالياً وتأثيره الإيجابي سيكون مؤقتاً ولكن استمرار هذا التأثير الإيجابي يعتمد على ما توجهات البنوك المركزية الأخرى في التوقف عن رفع أسعار الفائدة".
 
وأضاف العايدي في حديثه لموقع "اقتصادي سكاي نيوز عربية" أن هذا الخطوة التي يقوم بها البنك المركزي الصيني والمتمثلة في تكثيف ضخ السيولة تأتي قبل أسبوعين من حلول السنة الصينية الجديدة التي يرافقها موسم الإجازات وعادة في هذا الموسم يرتفع الطلب النقدي أو الإنفاق من قبل الشركات والأسر ما يدعم الاقتصاد من خلال التأثير الإيجابي على أسواق السلع والمعادن والنفط لأن الصين تعد من أكبر المشترين في هذه الأسواق".
 
في غضون ذلك، قال تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين "نومورا" في مذكرة الخميس: "إن حجم إعلان البنك المركزي بشأن خفض نسبة الاحتياطي المطلوب تجاوز توقعات بنك نومورا بتخفيض قدره 25 نقطة أساس، مضيفا "نعتقد أن هذا التخفيض الأكبر من المتوقع في نسبة الاحتياطي المطلوب هو علامة أخرى على أن بنك الشعب الصيني وكبار صناع السياسات أصبحوا يشعرون بقلق متزايد بشأن التراجع الاقتصادي المستمر، والذي كنا نشير إليه منذ منتصف أكتوبر من العام الماضي".
 
وأضاف تينغ لو: "الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنه تم الكشف عن هذا السياسة بطريقة أقل اعتيادية، حيث أعلن محافظ بنك الشعب الصيني هذا القرار شخصياً خلال مؤتمر صحفي".
 
من جانبه، قال وانغ من بنك UBS: "إنها خطوة مهمة من جانب الجهات التنظيمية لتعزيز الدعم الائتماني للمطورين، لكي يتحسن تمويل المطورين بشكل أساسي ومستدام، يجب أن تتوقف مبيعات العقارات عن الانخفاض وتبدأ في التعافي، الأمر الذي قد يتطلب المزيد من الجهود السياسية لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات".
 
وانخفضت أسهم البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ بشكل مطرد إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، لكن الأسهم ارتفعت هذا الأسبوع بعد سلسلة من الإعلانات الحكومية والتقارير الإعلامية التي تشير إلى دعم الدولة المرتقب للنمو وأسواق رأس المال.
 
وقالت ويني وو، كبيرة استراتيجيي الأسهم الصينية في بنك أوف أميركا، الخميس في برنامج "Street Signs Asia" على قناة CNBC، إن مثل هذه الجهود لتحقيق الاستقرار في سوق الأسهم تساعد في وضع حد لمنع السوق من الاستسلام والهبوط أكثر"، لكنها أشارت إلى أن هناك حاجة إلى تحول أساسي في الاقتصاد حتى يتمكن المستثمرون من ذلك.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على