هيئة لحفظ السنع

أكثر من سنة فى الإتحاد

التاريخ ليس لعبة مزدوجة، بل هو صندوق الذهب، فيه تكمن جواهر السبك الإنساني على أرض رصعها أهلها بقلائد الحياة وقيم التواصل ما بين الماضي، والمستقبل. وإنشاء «هيئة للتراث» إنما هو الوعي بأهمية أن تظل الخطوات التي نحتت أثرها على التراب، راسخة محفورة في الوجدان، مثل قطرات الماء التي تترك نقشها على وريقات العشب، وأغصان الشجر. اليوم من يتقص جذور الماضي في الإمارات قاطبة، وفي أبوظبي العاصمة، يجد نفسه أمام مسؤولية تاريخية، تعنى بميراث وتراث، هذا الأثر الناصع الذي يحكي قصة وطن، له في الحياة عناقيد ممتدة جذورها من أول خطوة على رمل الصحراء، وحتى نقطة المشي على واحات الحضارة المدهشة التي بنت عمرانها من عرق ودفق، الأمر الذي يجعل من العناية بالتراث هو حماية لقيم، ورعاية لشيم، وعناية بأحلام الذين شقوا العباب، وأسقوا التراب من دمعة فرح، وشمعة ترح، أزاحت عن العيون غشاوة غيمة، وشعشعة نجمة، وجعلت من الدروب أنهاراً تروي مشاعر العشاق، وتنضد قصيدة الشعراء، وتفند المعنى في ضمير المحبين، والذين في أفئدتهم شغف الالتحام مع كل حبة رمل بللها الله من رضاب السحابات السخية.إنشاء «هيئة للتراث»، وتوحيد جهود مختلف المؤسسات، لتصب جميعاً في بوتقة هيئة واحدة وظيفتها سبك الجداول في جديلة واحدة، تسدل ضفائرها على منكب ومتن، وتجعل من التراث عناقيد تنهمر على ضمير الأجيال، كأنها الماء الزلال، ينمي في الأرواح حب الانتماء، وعشق الوفاء لتاريخ هو النبع، وهو «السنع» الذي منه ارتوت ألسن الأجيال، ونجدت أواصر العلاقة ما بين الإنسان وتاريخه، ورتبت أبجدية اللغة واللسان، وهذبت المعاني وشذبت الكلام، ولونت الأحلام، بحيث أصبحت أحلام الأجيال مترافقة، متوافقة مع طموحات الحداثة، وليس التجديد في الحياة إلا كتابة على سبورة الزمن بعناوين عريضة، تشير إلى الماضي، والعين على المستقبل.. الاهتمام بالتراث، هو ترسيخ لأفكار التطور، والانتقال بين مراحل الحياة، كما هي الخطوات على حبل مشدود، يربط بين نقطتين هما الماضي والمستقبل، وما بينهما الحاضر حجر الزاوية.«هيئة للتراث»، هي المكان الصحيح لتاريخ وطن، نما وتطور، وارتقى متكئاً على مهد العلاقة الوطيدة بين زمنين، كما هي العلاقة بين الجذر والساق، وكما هي العلاقة بين الموجة والبحر، فكلاهما يكمل الآخر، ولا وجود لأحدهما من دون الآخر.والإمارات زاخرة بالتراث، غنية بميراث الآباء والأجداد، ثرية بالمعاني، وقالها الباني المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، «من ليس له ماض، ليس له حاضر».فليس حفظ التراث ترفاً، بل هو ضرورة حياتية، هو جوهر البقاء والتطور، والنشوء والارتقاء. فالتراث هو الهواء الذي يستنشقه الحاضر، وهو الميسم الذي يتداوى به المستقبل، ولهذا يفكر المسؤولون بهذا الكائن السحري، والذي منه تنطلق عوالم القوة والرسوخ لأي مجتمع في هذه الدنيا.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على