النهوض الإقتصادي واقع لن يفرمله الإستعصاء السياسي (نقولا الشدراوي)

٥ أشهر فى تيار

تتحدث الأرقام عن نسبة نمو في لبنان كانت ستتخطى ال 1% في العام 2023 لولا اندلاع الحرب في غزة ومساندتها بضربات إشغالية من الجنوب، كما يُتوقّع أن تتجاوز نسبة النمو في العام الحالي 2024 عتبة ال 2 % برغم تلك الحرب وبرغم الكربجة في الملفات الداخلية لا سيما في الملف الرئاسي.
فبعد تسجيل إجمالي الناتج المحلي نمواً سلبياً في العام 2020 بنسبة 25,9%، و 10,9% في العام 2021 ، بحسب بيانات البنك الدولي ، تباطأت وتيرة التراجع الإقتصادي في لبنان وانخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2.6% فقط في العام 2022، ليصل إجمالي الانكماش الاقتصادي منذ عام 2018 إلى 39.9% من إجمالي الناتج المحلي.أما في العام 2023، فتشير التقديرات إلى تحقيق نمو طفيف نسبته 0.2% ، وذلك يعود لأسباب عدّة بينها تحسن الاستيراد والاستهلاك وقطاع البناء، وزيادة عدد السياح بنسبة 70%، فضلاً عن زيادة تحويلات المغتربين بنسبة 7%، لتبلغ 6.8 مليار دولار، ناهيك عن أن الإقتصاد النقدي يُكوّن نموّاً إضافيّاً بغالبيته غير منظور لمؤسسات التصنيف الدولية.
من ناحية أخرى، وبعد خروج رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان، في منتصف العام 2023 ، حصل تطوّر جديد تمثّل في استقرار سعر صرف الدولار تجاه الليرة اللبنانية في النصف الثاني من العام، بعد أن حلّ نائب الحاكم الأول لمصرف لبنان وسيم منصوري حاكماً بالإنابة، واتخاذه إجراءات جذرية وضعت حدّاً للاستثمار المزدوج السياسي والتنفيعي في سياسات الدعم العشوائية وتقلبات سعر الصرف، خصوصاً عبر منصّة "صيرفة" السيئة الذكر.فبعد إلغاء هذه المنصّة انخفض الطلب المصطنع على الدولار الذي كان المستفيد الأول منه المصارف ومدراء فروعها وموظفوها وبعض زبانيتهم من أصحاب رؤوس الأموال النقدية الذين كانوا يقتسمون الأرباح معهم، ما يشكّل ربحاً غير مشروع على حساب المال العام ، ويستدعي على الأقل من وزارة المالية تكليف هؤلاء المستفيدين بالضرائب المناسبة على الدخل.فبحسب المرصد الإقتصادي للبنان، تحوّلت هذه المنصة إلى آلية لتحقيق أرباح من عمليات المراجحة بلغت حوالي 2.5 مليار دولار منذ إنشائها، على حساب احتياطيات مصرف لبنان .
كما ساهمت في الاستقرار النقدي أيضاً محدودية الطلب على الدولار في ظل الدولرة التي حصلت والسماح باعتماد الدولار النقدي كوسيلة دفع في السوبرماركت ومحطات المحروقات، إضافةً إلى زيادة تدفقات النقد الأجنبي من السياحة وتحويلات اللبنانيين في بلاد الإنتشار.
في المحصلة، يمكن القول إن القطاع الخاص في لبنان قد نجح نسبيّاً في تخطي الأزمة الإقتصادية وبات القطار على سكّة التعافي برغم التهويل الدولي الذي، انطلاقاً من غايات سياسية، يعتبر أنلا إمكانية للنهوض من دون مساعدات صندوق النقد الدولي ودخول استثمارات أجنبية كبيرة إلى الإقتصاد.فبكل موضوعية نقول إن تحويلات المغتربين تُغنينا عن تلك الإستثمارات الأجنبية، حتى لو كانت هذه التحويلات محفزة للاستهلاك الداخلي ، فهذا الاستهلاك يُعاد تدويره في الإقتصاد النقدي المقدّر ب 10 مليار $ ، ويُعاد استثماره عدة مرات في الإقتصاد نظراً لانعدام الإيداعات في المصارف بعد فقدان ثقة اللبنانيين بالنظام المصرفي.
هذا على صعيد القطاع الخاص، أما على صعيد القطاع العام فبرغم الضخ الإعلامي السلبي المقصود، فهو مبشّر بالخير بعد استعادة الدولة لوارداتها الجمركية بحسب سعر الصرف الفعلي خصوصاً بعد زوال أو انخفاض قيمة أعباء كبيرة عن كاهل الموازنة العامة للدولة وهي كالتالي:
١- الفوائد التي كانت تدفعها الدولة خدمةً للدين العام حسب موازنة العام 2019 قُدّرت بحوالي 6 مليار$ أو 35% من إجمالي النفقات العامة المقدّرة ب 17 مليار$
٢- تمويل عجز مؤسسة كهرباء لبنان (بسبب رفض المنظومة رفع التعرفة) كانت تُقدّر ب 1.87 مليار$ أو 11% من إجمالي النفقات
٣- الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد التي كانت تُقدّر ب 6 مليار$ أو 35% من إجمالي النفقات
٤- النفقات التشغيلية للدولة التي كانت كلفتها 1.7 مليار$ أو 10% من إجمالي النفقات
٥- الإنفاق الاستثماري كان يشكل 9% من نفقات الموازنة أو 1.5 مليار$
أما في موازنة العام 2024 وما بعد، فلا ولن تشكّل هذه البنود سوى أعباء بسيطة نسبةً لما سبق ، وذلك للأسباب التالية:
١- فوائد الدين العام في موازنة 2024 لا تمثّل عبئاً يُذكر على الموازنة ، أما في حال إعادة هيكلة هذا الدين، فالمفترض أن تُعاد جدولته لتسديده وليس لدفع أية فوائد عليه، وذلك يكون لمدة طويلة وبنسبة لا تتعدّى 5% من مجموع نفقات الموازنة سنويّاً .
٢- بعد رفع تعرفة الكهرباء ، لم يعد مطلوباً تمويل عجز مؤسسة كهرباء لبنان من موازنة الدولة.
٣- نظراً لتدهور سعر الصرف، باتت الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد تشكّل أقل من 10% مما كانت تشكلّه في السابق (6 مليار $).
أمّا النفقات التشغيلية والاستثمارية فباتت في نسبتها الأدنى على أمل رفعها مع زيادة نسبة النمو والإيرادات.
في الاستنتاجات، إن حجم الدولة ونفقاتها بالدولار ، بات مقبولاً على الإقتصاد ، وبالتالي ازدادت قدرة الإقتصاد على النمو المتسارع بالرغم من عدم الاستقرار السياس، أما في حال عودة الإنتظام إلى مؤسسات الدولة عبر مجرد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وإملاء الشواغر في الإدارات العامة ، فإن الاستقرار السياسي المُستجد سوف يؤدّي إلى تحريك العجلة الإقتصادية بوتيرة أسرع وزيادة النمو وإيرادات الدولة، تمهيداً لتخطّي مرحلة الأزمة الإقتصادية وزيادة الإستثمار العام لتحسين البنى التحتية و كافة الخدمات العامة والحقوق الإجتماعية المستحقة للمواطنين ، فَمَن يتولّى زمام السلطة في الفترة القادمة إن في الرئاسة أو في الحكومة أو في الوزارات والإدارات العامة، سوف يحصد شعبياً وانتخابياً النتائج الإيجابية المتأتية من نجاح الإقتصاد اللبناني في تجاوز المرحلة الحرجة والنهوض من جديد، متحرراً من الأثقال التي كانت ترهق الموازنة العامة منذ التسعينات ، ومستفيداً من البحبوحة الآتية مع قرب اكتشاف الغاز في المياه اللبنانية ومع قرب نضوج التسويات الإقليمية.
*كاتب سياسي

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على