ومضات من تاريخ البحرين الدبلوماسي

٤ أشهر فى البلاد

تحتفي مملكة البحرين في الرابع عشر من يناير من كل عام باليوم الدبلوماسي لمملكة البحرين، الذي يعد مناسبة لاستذكار شيء من تاريخ البحرين الدبلوماسي، وتسليط الضور على سيرة عدد من الآباء المؤسسين لوزارة الخارجية، والإشارة إلى بعض الإنجازات الدبلوماسية التي تحققت في السنوات الأولى من تأسيس الوزارة التي هي واجهة الدبلوماسية البحرينية.

1. نشأة وزارة الخارجية وتأهيل الجيل الأول من الدبلوماسيين:
أنشئت وزارة الخارجية بموجب المرسوم الأميري رقم (3) لسنة 1971 الذي يقضي بتنظيم وزارة الخارجية. وبموجب المرسوم الأميري آنف الذكر “تتولى وزارة الخارجية تنسيق وتنفيذ كافة الشؤون المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة وتنظيم علاقاتها مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، وتقوم برعاية مصالح مواطني البحرين وحمايتها في الخارج”.  

وقد حرص سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة رئيس دائرة الخارجية التي أنشئت في العام 1969، على أن يختار له فريقا من الشباب البحريني المؤمن برسالة بلاده والمتحمس للدفاع عن مصالحها على الساحة الدولية. وبدأ الاستعداد لتأسيس وزارة الخارجية بفريق يرأسه سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وعدد صغير من الشباب حديثي العهد بالدبلوماسية.

ويمكن تقسيم موظفي وزارة الخارجية من حيث خلفياتهم السابقة إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول وهم من الذين كانوا يعملون سابقاً في القطاع الخاص أمثال السفير سلمان الصباغ الذي عمل في قطاع التعليم ثم في القطاع الخاص، والسفير علي المحروس الذي جاء هو الآخر من القطاع الخاص. أمّا القسم الثاني من الموظفين، فهم الذين انضموا للوزارة دون أن تكون لهم خلفية مهنة سابقة من أمثال السفير غازي محمد القصيبي، السفير كريم الشكر، والسفير عادل العياضي والسفير نبيل قمبر، والسفير حسان الأنصاري، والدكتورة أمل الزياني، وغيرهم. فهؤلاء التحقوا بالعمل الدبلوماسي مباشرة بعد تخرجهم من الجامعة، ولم تكن لديهم خلفية مهنية سابقة.

والقسم الثالث من الدبلوماسيين هم الذين كانوا يعملون في جهات حكومية مختلفة، حيث تمت الاستعانة في تشكيل وزارة الخارجية بشكل واسع النطاق بموظفين رسميين كانوا يعملون في دوائر الدولة المختلفة، مثل السفير الشيخ عبدالرحمن بن فارس آل خليفة والسفير سالم العبسي اللذين كانا يعملان في مجلس الوزراء، وآخرين من وزارة التربية والتعليم (أمثال السفير عبدالعزيز بوعلي، والسفير الدكتور جاسم محمد بوعلاي)، ومن دائرة الإعلام التي كان يرأسها أيضا سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة (مثل السفير إبراهيم علي إبراهيم والسفير مصطفى كمال، والسفير حسين الصباغ)، بالإضافة إلى موظفين آخرين لا يتسع المقام لذكرهم.

كما تمت الاستعانة بالدكتور حسين محمد البحارنة الخبير في القانون الدولي الذي كان من المؤسسين لوزارة الخارجية والذي لعب دوراً مهما أيضاً في انضمام دولة البحرين للأمم المتحدة. وقد عين فيما بعد وزيراً للدولة للشؤون القانونية. ومن أوائل الذين انضموا لوزارة الخارجية أيضا عبدالنبي الشعلة الذي أصبح لاحقا وزيراً للعمل.

يذكر أنّه قد تم الاستعانة بعدد من الدول الخليجية والعربية لتدريب الدبلوماسيين البحرينيين وإعدادهم إعدادا جيدا؛ ليكونوا قادرين على تولي المسؤولية الكبيرة التي ستلقى على عاتقهم، فتم على سبيل المثال في العام 1970 ابتعاث إبراهيم علي إبراهيم للتدرب على العمل القنصلي في سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت، وتم ابتعاث غازي محمد القصيبي للمهمة ذاتها في سفارة المملكة العربية السعودية في لندن.

وجرى كذلك في 31 أغسطس من العام المذكور أعلاه ابتعاث كل من علي المحروس، والشيخ عبدالرحمن بن فارس الخليفة إلى دولة الكويت؛ للالتحاق بوفد الكويت المشارك في اجتماعات الدورة الخامسة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1970، وهما بذلك أول بحرينيين يشاركان في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة التي دأبت البحرين على ابتعاث عدد من دبلوماسييها بشكل سنوي؛ للمشاركة في أعمالها والتدرب على العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف. حدث ذلك قبل عام من إعلان استقلال البحرين، حيث إنّ انضمام البحرين بشكل رسمي للأمم المتحدة تم خلال الدورة العادية السادسة والعشرين للجمعية العامة.

وفي العام 1971 تم ابتعاث أربعة من الدبلوماسيين الشباب للتدريب الدبلوماسي في دولة الكويت، والدبلوماسيون الأربعة هم: السفير كريم الشكر، السفير نبيل قمبر، السفير عادل العياضي، والشيخ خالد بن علي الخليفة. وكان ثلاثة دبلوماسيين آخرين قد سبقوهم للتدرب على العمل الدبلوماسي في وزارة خارجية دولة الكويت الشقيقة. وقد أشار إلى هذه المسألة جيمس بلغريف في كتابه “البحرين ترحب بكم”، حيث كتب في هذا الشأن: “وأنشئت دائرة الخارجية عام 1969، تحت إدارة الشيخ محمد بن مبارك مدير الإعلام. وأجريت الترتيبات في نفس الوقت لتدريب دبلوماسيي المستقبل في البحرين، وذهب الثلاثة الأوائل منهم إلى الكويت؛ لقضاء فترة تدريب بوزارة الخارجية الكويتية”.

وهكذا يتضح أن دولة الكويت الشقيقة قد لعبت دوراً مهما في تدريب الدبلوماسيين البحرينيين، حتى قبل تأسيس وزارة الخارجية البحرينية، سواء من خلال تدريب الدبلوماسيين الجدد في وزارة الخارجية الكويتية، أو من خلال عمل بعض الدبلوماسيين البحرينيين في بعض البعثات الدبلوماسية لدولة الكويت في الخارج؛ لتمثيل البحرين، والتدرب في الوقت ذاته على العمل الدبلوماسي والقنصلي.

2. سمو الشيخ محمد بن مبارك رائد الدبلوماسية البحرينية:
لا يكتمل الحديث عن نشأة وزارة الخارجية دون ذكر رائد الدبلوماسية البحرينية والأب المؤسس لوزارة الخارجية سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الذي تولى منصب وزير الخارجية منذ العام 1971 حتى العام 2005، حيث كانت لسموه الكثير من الإنجازات الدبلوماسية التي يصعب حصرها في هذه الأسطر المعدودة. فقد أشرف على تأسيس الوزارة وتأهيل كادرها الأول، وتأسيس البعثات الدبلوماسية الأولى التي كانت نواة العمل الدبلوماسي البحريني، ثم دوره الكبير في تطوير علاقات البحرين الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة، وفي إطار الدبلوماسية متعددة الأطراف، لاسيما في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولعل من الإنجازات الأخرى التي حققتها الدبلوماسية البحرينية حصول البحرين على عضوية مجلس الأمن لعامي 1998 – 1999، الأمر الذي عزز من مكانتها على الساحة الدولية.

هذا الدور الكبير الذي قام به سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة كان محل تقدير كبير من لدن القيادة السياسية في المملكة، حيث أمر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم بتسمية الأكاديمية الدبلوماسية لوزارة الخارجية باسم سموه؛ تقديراً لدوره الرائد في المجال الدبلوماسي، وفي تاريخ المملكة بشكل عام.

وبعد أن ساهم في وضع اللبنات الأولى في العمل الدبلوماسي البحريني، بالإضافة إلى ترسيخ مكانة البحرين الدولية، تم تعيين سمو الشيخ محمد في منصب جديد، حيث تولى بعدها سموه منصب نائب رئيس الوزراء. وواصلت وزارة الخارجية البناء على ما أنجزه سموه بقيادة الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي ترك بصمات مميزة في العمل الدبلوماسي البحريني طوال فترة توليه منصب وزير الخارجية (2005 - 2020) والتي دامت نحو خمسة عشر عاماً. تولى المنصب من بعده الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني المهمة منذ العام 2020، حيث يقود سعادته الفريق الدبلوماسي البحريني بكل اقتدار وكفاءة عالية، في خدمة هذا الوطن العزيز، وقيادته الرشيدة، وشعبه الوفي.

3. الإطار القانوني للعمل الدبلوماسي البحريني:
بعد صدور مرسوم إنشاء وزارة الخارجية مباشرة، صدر مرسوم آخر، وهو المرسوم رقم (4) لسنة 1971 بشأن نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، والذي ينظم العمل في السلك الدبلوماسي ودرجات ورواتب موظفي السلكين وغيرها من الأمور ذات الصلة بالعمل الدبلوماسي. وبموجب هذا القانون، كانت الدرجات الدبلوماسية تبدأ من ملحق ثم سكرتير ثالث (الدرجة السابعة)، ثم السكرتير الثاني (الدرجة الثامنة)، والسكرتير الأول (الدرجة التاسعة)، وقائم بالأعمال (الدرجة العاشرة)، ثم مستشار (الدرجة 11)، ومندوب فوق العادة ووزير مفوض (الدرجة 12)، وأخيرا سفير فوق العادة مفوض (الدرجة 13).  

وفي ديسمبر من عام 1983 صدر مرسوم بلائحة المخصصات والنفقات والبدلات الخاصة بالعاملين في وزارة الخارجية، حيث يتناول هذا المرسوم التفاصيل المتعلقة ببدل السكن والمواصلات الخاصة برؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية وأعضاء هذه البعثات، وبدل التمثيل والاغتراب والعلاوة الزوجية، وبدل الإنابة، ومصاريف السفر وبدل الانتقال، ومصاريف العلاج، ومصاريف تعليم أبناء موظفي البعثات، وغيرها من أمور. وأصبح هذا المرسوم بمثابة اللائحة التنفيذية لقانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي لعام 1971.

لقد كان قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي لعام 1971 موجزا مقارنة بالقانون الحالي لعام 2009، إذ كان يتكون من 36 مادة فقط، مقابل 82 مادة في قانون 2009. ومع ذلك، فقد تضمن قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لعام 1971 بنوداً لم يتضمنها قانون عام 2009، فعلى سبيل المثال يتضمن قانون عام 1971 مادة تشير إلى بعض التخصصات التي يفضل أن تتوافر فيمن يعين في السلكين الدبلوماسي والقنصلي مثل القانون والسياسة والتاريخ والإدارة والآداب، بينما لم يشر القانون الحالي لعام 2009 لمثل هذه التخصصات؛ بسبب الحاجة إلى تخصصات أخرى لم تكن متوفرة من قبل مثل نظم المعلومات وغيرها.

وبعد صدور قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي مباشرة انضمت مملكة البحرين إلى اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية الموقعة في 18 أبريل 1961، وهي الاتفاقية الدولية التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وفي مقدمتها موضوع الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها الدبلوماسيون والمرافق الدبلوماسية. أما الاتفاقية الأخرى الخاصة بتنظيم العلاقات القنصلية، فهي اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، فلم تنضم إليها البحرين إلا عام 1992.

4. ستبقى ذكراهم خالدة:
وإذ تحتفي مملكة البحرين بيومها الدبلوماسي، نستذكر اليوم من تركوا هذه الدنيا وانتقلوا إلى رحمة الله من الجيل الأول المؤسس لوزارة الخارجية، ونخص بالذكر في هذا الخصوص السفير الدكتور سلمان الصفار أول مندوب دائم للبحرين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، والسفير الشيخ سلمان بن دعيج آل خليفة أول سفير لمملكة البحرين لدى المملكة المتحدة، والسفير محمود بهلول رئيس الإدارة السياسية والاقتصادية خلال حقبة السبعينات، والسفير السابق لدى الجمهورية اللبنانية، والسفير نبيل قمبر مدير إدارة المراسم بوزارة الخارجية ثم رئيس المراسم الملكية فيما بعد، بالإضافة إلى السفير عبدالعزيز الحسن، والسفير عبدالعزيز الشملان، والسفير عبدالرحمن كمال، والسفير عيسى الجامع، والسفير عادل العياضي، والسفير مصطفى كمال، والسفير أحمد عباس، والسفير زهير منديل، والسفير عيد القحطاني، وغيرهم من الدبلوماسيين البحرينيين الذين غادروا هذه الدنيا.

وفي هذا اليوم الدبلوماسي لا يمكن إلا استذكار الدور الكبير الذي لعبه هؤلاء الدبلوماسيون وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً، والإنجازات الكبيرة التي قاموا بها طوال فترة عملهم بالسلك الدبلوماسي.

ولا ننسى ونحن نستذكر هؤلاء الدبلوماسيين الراحلين، أن نشير إلى أن البحرين خلال العام المنصرم 2023، فقدت ثلاثة من الرعيل الأول من منتسبي وزارة الخارجية وهم السفير إبراهيم علي إبراهيم أول قنصل عام للبحرين في كراتشي (1974) وسفير البحرين الأسبق لدى إيران، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والسفير كريم إبراهيم الشكر أول مندوب دائم للبحرين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف (1982) والمندوب الدائم الأسبق لدى الأمم المتحدة في نيويورك والسفير الأسبق لدى المملكة المتحدة، وجمهورية الصين الشعبية، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية والذي يعد واحداً من ألمع السفراء الذين أنجبتهم مملكة البحرين على الإطلاق، والسفير الثالث الذي فقدته البحرين مؤخراً هو السفير على إبراهيم المحروس سفير البحرين الأسبق لدى الجمهورية اللبنانية، والمملكة المتحدة، والجمهورية الفرنسية والذي تولى عدة مناصب إدارية في وزارة الخارجية، وأخيراً تولى منصب وزير الأشغال قبل تقاعده. هؤلاء الدبلوماسيون المميزون كانوا من الجيل الأول المؤسس لوزارة الخارجية، وقد تركوا وراءهم إرثاً كبيراً تفتخر به الأجيال المتعاقبة من الدبلوماسيين البحرينيين، بل يفتخر به كل بحريني. نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، وأن يجعل مثواهم الجنة، وستبقى ذكراهم خالدة لدى الأجيال المتعاقبة من الدبلوماسيين البحرينيين.

* باحث في تاريخ البحرين الدبلوماسي

شارك الخبر على