«اللغة العربية».. حديث الأمل والمسؤولية
أكثر من سنة فى الإتحاد
في تغريدة تحمل قدراً كبيراً من الاهتمام، وقدراً كبيراً من الأمل، وعمقاً في الوعي والإدراك، دعا سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، إلى ضرورة اهتمام الآباء بتعليم أولادهم اللغة العربية التي كانت لغة الفلسفة والعلم والتقنية لمئات السنين.وتعكس تلك الدعوة بشكل جليٍّ حرص سموه على تعزيز جهود تعلُّم اللغة العربية وإتقانها بين الأجيال الناشئة.ويعود هذا الحرص من جانب سموه إلى حقيقة أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، ولكنها مخزن القيم والأفكار والتراث، وهي مكون رئيس للشخصية القومية لأي مجتمع.ومن ثم تُعدُّ اللغة ركناً أساسياً من أركان الهوية، ويؤدي إهمال تعلُّمها إلى تقويض متسارع لمقومات بقاء الأمم والشعوب. وتزداد خطورة تهديد تراجع مقومات الهوية مع اتساع نطاق استخدام أدوات التواصل الاجتماعي التي لا تتقيد بحدود أو بخصوصيات ثقافية، ما يفاقم مخاطر الاستلاب الثقافي.وتكشف خبرة التاريخ القريب قبل البعيد أن الاستلاب الثقافي يحمل خطرين جسيمين لأي مجتمع، أولهما خطر فقدان الانتماء الوطني لمصلحة هوية عالمية يصوغها الطرف الأكثر هيمنة على تدفق المحتوى عبر هذه الوسائط الإعلامية. أما الخطر الثاني فهو نشأة معازل ثقافية كرد فعل على تحدي الاستلاب. ومن ثم فإن تعلم اللغة والحفاظ عليها يُعدُّ أحد سبل الاحتفاظ بالتوازن الاجتماعي أيضاً.ومما لا شك فيه، أن اللغة كائن حي ينمو ويزدهر كلما ازدادت الحاجة إلى استخدامه وتوفرت له عوامل التطور الذاتي، وفي صدارة هذه العوامل مدى مساهمة اللغة في التطور المعرفي والعلمي والتقني.ومن هذا المنطلق، يمكن فهم بعض عوامل تراجع الاهتمام بتعلم اللغة العربية، وارتباطه بتراجع مماثل في مساهمة المجتمعات العربية في حركة التطور المتسارعة عالمياً. هذا الإدراك الذي لفت إليه بوضوح حديث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عن دور اللغة العربية في تطوير العلوم والتقنية تاريخيًا، يمثل عنصري الأمل والمسؤولية اللذين تشير إليهما ضمناً هذه التغريدة.يتمثل جانب الأمل في حديث سموه في إمكانية استعادة مكانة اللغة العربية كلغة لإنتاج المعارف والعلوم والتقنية، ويتطلب تحقيق هذا الأمل عملاً حثيثاً ودؤوباً لاستعادة مكانة الإنتاج العلمي والمعرفي وجهود البحث والتطوير في المجتمعات العربية.وتمثل دولة الإمارات موئلاً مهماً لجهود استعادة مكانة العرب في مسار التحديث والتطوير المعرفي والإنجاز الحضاري، ويبدو ذلك في إنفاقها على مجال الابتكار الذي يبلغ سنوياً نحو 14 مليار دولار، ويضعها في المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط، والمرتبة 36 بين 143 دولة يشملها المؤشر العالمي للابتكار، وكذلك إنفاقها الكثيف في مجال التعليم الذي بلغ 17.1 مليار دولار في عام 2023، بما يعادل 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأخيراً بطاقتها الشابة الفتية المتعلمة، حيث بلغت نسبة من يتقنون القراءة والكتابة في الدولة نحو 98.1% على الأقل عام 2021. إن حديث سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان عن اللغة العربية ليس مجرد حديث عابر عن همٍّ ثقافي محدود، ولكنه حديثٌ يعكس عمق إدراك دولة الإمارات لأدوات الترقي في سلم الأمم، ومعايير قياس قوتها، ومتطلبات الحفاظ على هويتها وبقائها.ويبقى أخيراً، في أهمية حديث سمو الشيخ عبد الله بن زايد عن اللغة العربية أن الدفاع الواقعي عن بقاء هذه اللغة واستعادة مكانتها يمكن أن يكون فضاءً رحباً لاستعادة التآلف والتعاضد العربي، والخروج بالعديد من الدول العربية من بوتقة الصراعات التي غرقت فيها خلال العقد الماضي إلى فضاء النمو والتنمية والتحديث.إن الدفاع عن اللغة العربية ليس دعوة للانغلاق على الذات، لكنه دعوة للتواصل مع العالم الآخر من أرضية قوية وثرية ومتوازنة.حديث سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان عن اللغة العربية يعكس عمق إدراك دولة الإمارات لأدوات الترقي في سلم الأمم، ومعايير قياس قوتها، ومتطلبات الحفاظ على هويتها وبقائهاخبرة التاريخ تكشف أن الاستلاب الثقافي يحمل خطرين جسيمين لأي مجتمع؛ أولهما خطر فقدان الانتماء الوطني لمصلحة هوية عالمية يصوغها الطرف الأكثر هيمنة، أما الخطر الثاني فهو نشأة معازل ثقافية كرد فعل على تحدي الاستلاب.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية