غزة..وسقف الصراع السياسي في إسرائيل

٤ أشهر فى الإتحاد

مع استمرار «مجلس الحرب» الإسرائيلي في إدارة الأوضاع العسكرية في قطاع غزة، وانفتاح بنك الأهداف على عديد من البنود، وتجاوز الخطوط الحمراء الراهنة في المواجهة المستمرة، والتي خالفت كل الحروب السابقة يثار سؤال حول ما الذي يمكن أن يحكم الموقف الإسرائيلي، سياسياً وعسكرياً، وينهي حالة الحرب؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية عازفة في الوقت الراهن عن اتخاذ إجراء لوقف الحرب، وهناك تنسيق مشترك لإدارة المشهد السياسي والعسكري بصورة لافتة مع العمل في اتجاهات مختلفة لا تنهي حالة المواجهة الراهنة، بل تنقل ما يجري إلى مساحات أخرى من المواجهة. وتتجه الإدارة الأميركية وفق سيناريوهات سياسية ممكنة، وليست مجرد مشروعات نظرية، أو أطروحات لا تحمل كثيراً من الوقائع على الأرض في ظل استراتيجية زحزحة الوجود الفلسطيني الحالي إلى منطقة الجنوب، وتحديداً على طول الحدود بما سيمثل ضغطاً حقيقياً على مصر ودول الجوار، وبما يهدد بالفعل بتصفية القضية الفلسطينية من مكونها البشري المهم، والذي يمكن أن يكون مقدمة لما هو جار في الضفة الغربية من تطورات مفصلية، وخاصة في القدس والمسجد الأقصى على وجه الخصوص يزكي من ذلك عدم وجود قوي دولية مؤثرة يمكن أن تذهب للضغط على إسرائيل باستثناء الولايات المتحدة التي تتحرك في دوائر محددة ومتسقة كما هو مشاهد في شكلها ومضمونها مع الموقف الإسرائيلي، وبما يشجع الحكومة الإسرائيلية على المضي في خطها في ظل تردد روسي، وإخفاق صيني في الالتحام بإدارة المشهد الراهن خاصة، وأن ما دار في مجلس الأمن من مشروعات القرارات انتهى إلى نتائج صفرية، كما تابعنا في استخدام الولايات المتحدة حق «الفيتو» مؤخراً في مجلس الأمن، بل وكانت زيارة الوفد العربي إلى الصين وروسيا بريطانيا وفرنسا، ثم مؤخراً إلى الولايات المتحدة فرصة جيدة إن كانت قد مضت الأمور في سياقها، وقامت إسرائيل بالتجاوب مع طرح إعادة الدخول في هدنة إنسانية، ومنها إلى هدنة سياسية، ووقف إطلاق نار، لكن مخاوف الحكومة الإسرائيلية في مجملها، ومجلس الحرب على وجه الخصوص مرتبط بالفعل بأن تعيد حركة «حماس» تمركز قوتها، والعودة مجدداً في مواجهة إسرائيل برغم تضرر البنية العسكرية للحركة، وتشتت مراكز حضورها الاستراتيجي والعسكري، وبما يقلل من المخاطر المطروحة في الوقت الراهن من قبل المقاومة الفلسطينية بأكملها، وليس فقط حركة «حماس».في سياق التطورات الجارية تعمل «حكومة الحرب» على نقل المواجهة إلى دوائر أخرى منها ما هو آني، ومنها ما هو مستقبلي في إطار ما يجري من تحركات متعددة، ومتشعبة تتعلق بـ «فتح»، وترتيب الأولويات مع التهديد بتجاوز كل ما هو قائم من أولويات عملية، ومنها الإعلان الاستباقي عن تصفيات جسدية لقادة الحركة، والعمل على استئناف سياسة الاغتيالات الميدانية والسياسية، وهو أمر ليس بمستبعد، وفعلته إسرائيل من قبل بعد إتمام صفقة جلعاد شاليط، واغتالت أحمد الجعبري وهو رئيس أركان حركة «حماس»، ومن قبل اغتالت مؤسس الحركة الشيخ «أحمد ياسين»، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في إشارة مهمة إلا أن إسرائيل ستمضي في سياق الحل العسكري، وأن الحديث عن الحل السياسي ما زال يحتاج إلى مراجعات تتجاوز ما يجري من خيارات حقيقية موضوعة لا تنظر إسرائيل إلى تفاصيلها، بل إلى التعامل المباشر مع منطقها السياسي والاستراتيجي.ومن خلال ما كان يجري، فإن «مجلس الحرب» سيمضي في خطه، ومعلوم أن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية إضافة لضباط محترفين من الاستخبارات المركزية يعملون إلى جوار نظرائهم في إسرائيل، بل ويشارك بعضهم في «مجلس الحرب» بصورة علانية، كما تعمل عناصر فرقة دلتا في تقصي وجود الأسرى في داخل القطاع إلى جوار فرقة استخباراتية بريطانية تقوم بنفس المهام، ما يؤكد أن العمل الأمني والاستخباراتي ماض أيضاً في طريقه إلى جوار العمل العسكري المنظم.في المجمل يجمع التحرك الإسرائيلي معطيات متعددة، وفي اتجاهات مختلفة تؤكد أن خيار المواجهة مستمر برغم التقدير بوجود خسائر كبرى اقتصادية على الداخل المحتقن، ورغم أن إسرائيل لا تتحمل واقعياً حرباً طويلة، وقد يحتاج ذلك لمراجعة تفصيلية في ظل ما يجري من مستجدات تطول الحرب الدائرة في الوقت الراهن، وأن رسم سيناريوهات بعد الحرب خاصة بقطاع غزة ستحتاج إلى محددات معينة قد لا تتوافر في الوقت الراهن، وما يؤكد ذلك أن طرفي المعادلة مازالا على المسار نفسه، وإن قبلا بإدارة المواجهة تخوفاً من الذهاب إلى الخيار الصفري بالنسبة لحركة «حماس»، وإلى محاولتها تكبيد إسرائيل مزيداً من الخسائر على أرض الواقع، وبما قد يقود إلى انقلاب الجمهور الإسرائيلي على مواقفها، وبما قد يؤدي إلى تفكك الحكومة، وإعادة تشكيلها، وبما قد يفضي إلى وقف إطلاق النار، والذهاب إلى خيارات توافقية جديدة، ومن ثم فإن عنصر الوقت مهم بالنسبة لكل طرف، إضافة لوجود معطيات، ومحفزات قد تعمل لمصلحة طرف على حساب آخر.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية

شارك الخبر على