السدو.. تراث متجدد في «بيت الاستدامة»

٧ أشهر فى الإتحاد

خولة علي (دبي) ضمن «بيت الاستدامة» بالمنطقة الخضراء، في مؤتمر الأطراف لتغير المناخ (كوب 28) في مدينة «إكسبو دبي»، يستمتع الزوار بعرض حي لحرفة السدو، تقدمه حرفيات بمهارة عالية، في رحلة نحو التقدم الجماعي المستدام بدولة الإمارات، وضمن الأنشطة التفاعلية والبرامج الثقافية بالتعاون مع المنظمات المحلية.ويروي «بيت الاستدامة» قصة دولة الإمارات المتجذرة في مجال الاستدامة، وبراعة الأجداد في تطويع الطبيعة، واستغلال مواردها المحدودة في معيشتهم.

أيقونة تراثيةو«السدو» من الصناعات الحرفية التراثية التي ما زالت تحظى باهتمام الخبراء والمعنين بالتراث؛ نظراً لقيمتها الثقافية والتاريخية، فهي مهنة تكشف عن مرحلة مهمة من تاريخ الحرفيين في المنطقة ومدى قدرتهم على تطويع خامات البيئة وتحويلها إلى مشغولات قادرة على تلبية احتياجاتهم في ظل ظروف معيشة صعبة وشاقة؛ لذا يُعتبر السدو أيقونة تراثية حاضرة في الكثير من المحافل المحلية والعالمية، لتعكس ثقافة وتراث مجتمع. أقدم الصناعات عن السدو كقيمة تراثية، تشير مريم سلطان المزروعي الباحثة في التاريخ الشفاهي، قائلة «السدو فن من النسيج التقليدي وشكل من أشكال نسج صوف الغنم ووبر الإبل وشعر الماعز، لإبداع تصاميم هندسية تعكس البيئة المحيطة، وهذه الصناعة دخلت في حياكة الملابس وبيوت الشعر وعتاد الجمال ووسائد المجالس الأرضية الملونة والسجاد والحصائر، وتُعد من أعرق وأقدم الصناعات التطريزية، كمهنة متوارثة عن الجدات التي تستلزم وقتاً طويلاً، وهي من الحرف الصعبة ومن الأوصال المتجذرة في تراث القبائل البدوية جيلاً بعد جيل. 

ألوان الطبيعةوعن تفاصيل قطعة السدو، توضح المزروعي أن السدو عبارة عن شريط مزركش بخيوط ملونة ما بين الأحمر والأسود والأخضر، إلى جانب خيوط فضية متداخلة مع ألوان الطبيعة، فضلاً عن النقوش والزخارف والأشكال والرموز التي تتأثر بالبادية، وتبرز فيها الأراضي العشبية المنبسطة والكثبان الرملية وأشجار النخيل والأزهار والإبل والأغنام والصقور والآيات القرآنية والمساجد وعناصر الحياة الاجتماعية والدينية، وأيضاً الحيوانات كالأغنام، والصقور، وبعض زواحف الصحراء، حيث كانت النساء يبدعن في غزل السدو بألوانه الجميلة بعد صباغته. نقشة «الحباب»وتضيف المزروعي أن من أبسط زخارف السدو هي نقشة «الحباب» أو «الحبوب»، والتي تعبر عن حبوب الأرز أو الشعير أو الحنطة التي يستعملها أهل البادية في طعامهم، وتظهر هذه النقشة غالباً على جانبي قطعة السدو في شكل خطوط أفقية قصيرة جنباً إلى جنب، وبشكل متبادل يتكرر فيه اللونان الأبيض والأسود أو الأحمر والأسود أو البرتقالي، وللسدو نقوش كثيرة ومتنوعة وأشكال هندسية كالمثلث، ويطلق عليه «مثلثي العويرجان»، وهناك أيضاً «نقشة الشجرة» وتعتبر من أجمل النقوش وإن كانت بحاجة إلى الدقة والتركيز والوقت الطويل لحياكتها، وتمثل شريطاً طولياً من الزخارف وتنسج في أغلب الأحيان في منتصف قطع النسيج المزخرف خاصة المساند أو المفارش و«عين الغدير» و«درب الحية». 

قيمة تاريخية وأشارت المزروعي، قائلة: نظراً لأهمية هذه الحرفة ومكانتها الثقافية، فقد تم توثيقها عام 2011 في قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، الأمر الذي يؤكد أن السدو ليس مجرد نوع من أنواع النسيج التقليدي، بل جزء أساسي من حياة أهل البادية وتفاصيل عيشهم، وقد استخدمت في تجهيز الخيام وحياكة البطانيات والوسائد ومفارش الأرضيات وزينة رحال الإبل، ونتيجة لمكانة السدو القيمة كان لابد من إيصاله للأجيال القادمة كموروث عريق، يعكس براعة الأوّلين في التكيّف مع بيئتهم الطبيعية، وكان لاهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالحرف التقليدية، الأثر في افتتاح مركز للصناعات التقليدية واليدوية عام 1978، بإشراف من الاتحاد النسائي العام، إلى جانب فتح مشاغل للتلي والفخار والتطريز اليدوي والغزل وسعف النخيل، الأمر الذي دفع الجمعيات ومراكز التراث والأسر المنتجة والمؤسسات والأهالي للمشاركة في إحياء هذا الأنواع من الأنشطة، كما ظهرت العديد من الجهات التي اهتمت بهذه الحرفة والوصول بها إلى العالمية، كمؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، ومشروع الغدير للحرف، أحد مشاريع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومعهد الشارقة لإحياء التراث.

لمسات عصرية وحضور دائم أوضحت مريم المزروعي أن السدو أصبح يتميز بخيوط قطنية وألوان زاهية، مع إضافات تساعد على نشره واستدامته وإخراجه بطريقة مبدعة، وتصاميم ولمسات عصرية، كما شهد إضافة تطريزات على قطع الحرير لتزيين العباية وأكسسوارات حقائب اليد وأغطية الهواتف المتحركة، وكذلك الديكورات والأثاث والوسائد واللوحات والمفارش، والأدوات المكتبية، ليبقى السدو من المهن البدوية التي يجب حمايتها من الاندثار. وتلفت المزروعي إلى أن حرفة السدو تكون حاضرة في كل الفعاليات، حيث تواجدت في معرض إكسبو 2020 في دبي، وفي احتفالات «عيد الاتحاد» الـ 52 لدولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال غناء تراثي جميل عن نسج السدو في محاكاة لإرث الوطن التليد، وموروثات الماضي الجميل.

 

شارك الخبر على