في سيرة حي بن يقظان

٥ أشهر فى الإتحاد

رواية «حي بن يقظان» للفيلسوف العربي المغربي ابن طفيل، وأعتقد أن هذا الفيلسوف ربما انغمس في الفلسفة الوجودية قبل غيره من فلاسفة الغرب، ومن دون أن يضع هذا العنوان العريض لنظريته.في كتابه هذا يصور ابن طفيل لنا قصة طفل نشأ في جزيرة عارية من السكان، حيث أرضعته ظبية، كانت قد فقدت وليدها فحنت عليه.وقد كبر الطفل (حي) وصار يفكر في أسرار الكون، وقد توصل إلى نتيجة فحواها معرفة الحقيقة.ولما عرف حي أن الجزيرة المقابلة لجزيرته مأهولة بالسكان، وأنهم يتخبطون في ظلمات الجهل فتسلح بالإرادة، وفكر أن يذهب إليهم ويرشدهم إلى الحقيقة.يقول ابن طفيل: «إن حي بن يقظان عندما ذهب إلى الجزيرة المأهولة وأخذ يرشد أهلها إلى الحقيقة، أدرك أنهم لا قدرة لهم على فهم ما يقول. إنهم كالعامة في كل مكان لا يفهمون سوى الأمثال الحسية، التي تقبلها عقولهم».عندها أدرك حي صواب الطريقة التي جاء بها الرسل والأنبياء، في ضرب الأمثال الحسية، لأنها الأقرب إلى عقولهم، لذلك وجد حي أنه ليس عليه إلا أن يتبع هذه الطريقة إذا أراد أن يعيش بين الناس، وإلا فالخير له أن يعود إلى جزيرته ليعيش منعزلاً، وقد عاد حي فعلاً إلى جزيرته.فيا ترى ماذا نفهم من هذه القصة؟ لا شك أن هذا الفيلسوف قد سبق عصره، وسبق كل الفلاسفة الذين قبله، والذين جاءوا من بعده في فهم النفس البشرية، وفهم الدور المهم والمحوري للعزلة الفكرية في تشكيل رؤية الفيلسوف الحقيقي، والذي يريد أن يتحرر من تبعيته للأفكار المشوبة بغبار التراكمات التاريخية، ويعتقد ابن طفيل أن الفلسفة هي تحدٍ للذات الأمارة، وهي الطريق إلى تكوين الذات الواعية، فالعزلة تعني التوحد مع الذات وعدم ترك الإنسان يفلت منها، أن تهرب منها الحقيقة، والتي هي الهدف الأساسي للفيلسوف، وهي الممر الآمن بالنسبة له، لكي يصل إلى الحقيقة من دون تشويش، ولا تلوث، ولا توعك.فقد تكون هذه مجرد أحلام، لأن الكثير من الناس لا يتصور كيف يعيش من دون الاختلاط بالآخر، وفي العزلة ليس هناك قطيعة، وإنما هي فرص تقتنص، للقبض على الأفكار التي لم تزل ناصعة من دون رتوش، ولا خدوش.وكم نحن بحاجة إلى هذه العزلة التي تشذب أغصان أفكارنا، وتهذب وريقات أشجارنا، نحن بحاجة إلى هذه العزلة، لأنها تحيينا من جديد بعد أن أماتتنا نكسات العقل البشري، وتوغلت في غابة التوحش، وسفكه لدماء الحقيقة، والحقيقة هي أن نحب الحياة، وأن نعيش ليس من أجل البقاء، وإنما من أجل الحياة.هكذا أشار لنا فيكتور هيجو، وهو يدين الأفكار السوداوية، ويشجب أحوالها، وأهوالها.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على