«الفارس الشهم 3» وترسيخ البعد الإنساني لسياسة دولة الإمارات
over 1 year in الإتحاد
تكاملاً مع كثافة التحركات الدبلوماسية التي تقودها دولة الإمارات إقليمياً ودولياً لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية تحقق «حل الدولتين» وفقاً لمقررات الشرعية الدولية، تتسارع الجهود الإنسانية للدولة عبر مبادرة «الفارس الشهم 3»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية لدى مواطني قطاع غزة.وفي الواقع، فإن التحركات الإماراتية على الصعيدين السياسي والإغاثي، تنطلق من عدد من المحركات الرئيسية، أبرزها على النحو الآتي: - الموروث الثري للدبلوماسية الإنسانية لدولة الإمارات، التي أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي جعل قيمَ العطاء ونشر مبادئ الأخوّة الإنسانية وإغاثة الملهوفين ومساعدة الآخرين من الركائز الرئيسية للسياسة الخارجية لدولة الإمارات. - المبادئ العشرة لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً المقبلة التي اعتمدها صاحب السمو رئيس الدولة، والتي نصت على أن المساعدات الإنسانية الخارجية للدولة تُمثل جزءاً لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية.- استراتيجية المسارات المتوازية التي تعمل وفقاً لها الدبلوماسية الإماراتية عبر مجلس الأمن واللقاءات المكثفة التي تعقدها الدولة على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف، للتوصل إلى تهدئة دائمة تعزز جهود الإغاثة الإنسانية التي تقودها ميدانياً وزارة الدفاع، بالتنسيق مع الهلال الأحمر ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ومؤسسة زايد بن سلطان للأعمال الخيرية والإنسانية، وعدد آخر من المؤسسات ذات الصلة العاملة في الدولة. وهنا يمكن التأكيد على أن الجهود الإنسانية والإغاثية لدولة الإمارات بناء على هذه المحركات تشكل استراتيجية إنسانية متكاملة يجري تنفيذها حالياً في قطاع غزة، وهي تركز على تكثيف المساعدات الغذائية لمواطني القطاع عبر معبر رفح، وتشمل كذلك فتح باب التطوع للأطباء المسجلين لدى وزارة الصحة ودائرة الصحة في أبوظبي، والمتطوعين المسجلين لدى الهلال الأحمر، وجميع المؤسسات الخيرية والإنسانية بالدولة، للمساهمة في هذه الجهود الإغاثية. ويعد المستشفى الميداني الذي تقيمه دولة الإمارات في قطاع غزة من أهم معالم الجهود الإغاثية للدولة هناك، وتبلغ سعته 150 سريراً ويجري تنفيذه على عدة مراحل، ويشمل أقسام الجراحة العامة وجراحة العظام والأطفال والنساء والتخدير والعناية الحثيثة بالأطفال والبالغين، إلى جانب عيادات تخصص الباطنية والأسنان والعيادة النفسية وطب العائلة، فضلاً عن خدمات الأشعة المقطعية ومختبراً وصيدليةً والخدمات الطبية المساندة. وبالتوازي مع ذلك، تواصل دولةُ الإمارات جهودَها عبر مبادرتها الخاصة باستضافة نحو 1000 طفل فلسطيني من قطاع غزة، برفقة ذويهم، لتوفير العلاج الطبي لهم والرعاية الصحية في مستشفيات الدولة، بجانب إطلاق حملة إغاثة مجتمعية للفلسطينيين المتأثرين من أحداث القطاع من خلال مبادرة «تراحم من أجل غزة»، والتي يشارك فيها نحو 5000 متطوع ومتطوعة، تَوزعوا على ثلاث إمارات هي: أبوظبي والشارقة ودبي.ويعكس البُعد الإنساني، في استراتيجية التحرك الإماراتي حيال الأزمة في قطاع غزة، طبيعةَ الدور الإقليمي للدولة القائم على التكامل بين البعدين السياسي والإغاثي، عبر مبادرات دبلوماسية وتحركات ميدانية للتخفيف من وطأة الأوضاع الإنسانية، وهو ما يتماهى مع سياسة الدولة التي تم اتباعها في عملية «الفارس الشهم 2» التي أُطلقت لمساعدة ضحايا الزلزال المدمر في كل من سوريا وتركيا، وقدمت مساعدات إنسانية وإغاثية للمتضررين منه، وكذلك عملية «الفارس الشهم 1»، التي اضطلعت بالمسؤولية عن إجلاء رعايا أجانب من أفغانستان عام 2021، بسبب الظروف الصعبة، التي كانت تمر بها البلاد في ذلك الوقت.إن عمليات «الفارس الشهم» في نسختها الثالثة، وإن كانت تتركز في الوقت الراهن على قطاع غزة، فإنها تشمل جغرافياً العالَمَ كلَّه دون التقيد بحدود جغرافية أو اعتبارات دينية أو عوائق سياسية، وهي تجسد شخصية الدولة الإنسانية وثقل دورها السياسي ونهجها الاستراتيجي القائم على التسامح والتراحم والتعايش السلمي وتكريس قيم الأخوّة الإنسانية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية