واقع سوداوي ينعش سوق “الفري فيزا والساعة”

٦ أشهر فى البلاد

ثلاثة أشهر ضمان هي الخط الفاصل ما بين “أكون أو لا أكون” في بقاء العاملة في البيت البحريني أو طيرانها، فالحال اليوم ليس كسابقه أبداً، محوره بحث عاملات المنازل عن فرص العمل التي توفر لها مدخول أفضل، عبر الهروب الصاروخي من بيت الكفيل تحت ستار الظلام، والمقصد نظام العمل بالساعات، والذي يدرّ عليهم مدخولاً أكبر، وأرحب، وإن كان بوسيلة غير قانونية.
وكان في العهد الماضي من الزمن، أحاديث متداولة هناك وهناك، عن المعاملة اللاإنسانية والمجهدة التي يتبعها بعض أرباب البيوت مع عاملات المنازل، كمسبب رئيسي يشجع بعضهن للهروب من بيئة العمل القاسية، لكن الحال اليوم بات يتحدث عن حقوق المواطن نفسه، والذي ضاق ذرعاً مما يحدث، ومن حجم الخسائر والكلفة التي تصاحب هذا الهروب الخانق لرب الأسرة ولأفرادها.
وتقول أم محمد لـ “البلاد”، وهي ربة أسرة تعول أربعة أطفال، إنها تعمل النسكافيه لعاملتها بنفسها، كل يوم، وإنه وعلاوة على تخفيف ضغط المسؤوليات على هذه العاملة، فقد سمحت لها كل يوم بساعة ونصف الساعة راحة، كما أنها تشارك أهل البيت في ذات الطعام والمشروبات، وكل المزايا الأخرى من غسيل للملابس، وكي، وغيرها، “ولكن هل هذا كافٍ لضمان عدم هروبها؟ بالتأكيد لا”، مردفةً أم محمد.
وتضيف بسياق حديثها “لديّ شعور مستمر وتخوّف من هروبها، وبأنني سأنهض من النوم  ذات يوم، لأجدها غير موجودة، فمغريات العمل غير القانوني في السوق المحلي، يشجع ضعاف النفس منهن للهروب، خصوصاً من لديها معارف أو أقارب، لأنهم “يفتحون عيونها” على ما يجب أن تفعل، وما يجب أن لا تفعل، وأن “الفلوس” هي أهم شيء، وأن الحياة ليست محصورة في هذه العائلة التي تحسن معاملتها، بل هنالك عشرات العوائل، بل المئات، ممن سيقدمون لها معاملة أفضل، شريطة بقائها، ومساعدتها لربة الأسرة في مسؤوليات البيت، خصوصاً لو كانت موظفة”.
وفي سياق هذا الحديث، والذي يعبر عمّا في نفوس البعض، تستمر مطالبات المواطنين، بسنّ الضمانات والاشتراطات الحامية لحقوق المواطن من القضم، والنهش، في حالة هروب العاملة، والتي تتخطى التأمين عليها، حيث يراه كثيرون بأنه عامل ضغط اقتصادي آخر، يضاف إلى “باكج” العوامل الحياتية الأخرى الخانقة، والتي يعرفها الجميع جيداً.
ولربما تكون المطالبة بإصدار قانون، أسوة بدولة الكويت الشقيقة والتي أصدرت قانوناً العام 2015 بشأن العمالة المنزلية، هي أهم المساعي بهذا الشأن، والأماني، بغية حل هذه المسألة “العويصة” والتي تتداول منذ سنوات عدة، بلا جديد، عبر إيجاد ضمانة حقوق المواطن حين تهرب العاملة من المنزل، بلا وجه حق.
وتتصدر الجنسية الأثيوبية رأس القائمة بظاهرة هروب العاملات، وهو أمر معروف، ويتردد بكثرة سواء من أرباب الأسر، أو أصحاب المكاتب حيث ينصح بعضهم بأن تكون العاملة الأثيوبية في أسفل ذيل قائمة الخيارات، تجنباً للدخول في القيل والقال.
ويشير البعض إلى أن هنالك مجموعات متخصصة في استقطاب العاملات الهاربات (بالعموم)، لزجّهم في العمل بنظام الساعات بالبيوت والشاليهات وغيرها، لحصد المزيد من الأموال، وتحويلها للخارج بوسائل غير مشروعة، عن طريق أشخاص آخرين لهم إقامة قانونية في البلاد.
وكان وزير العمل جميل حميدان قد أفاد في رده على سؤال وجهه النائب السابق باسم المالكي العام 2021 بأن إجمالي عدد العمالة المنزلية المقدم بشأنهم إخطارات ترك العمل أخيراً بلغ 3403، مشيراً إلى أنه تم تصحيح وضع 550 منهم فقط.
وأشار حميدان إلى أن عدد إخطارات ترك العمل حينها بلغ 2596 مقابل 257 إخطار ترك للعمل ملغى من قبل صاحب العمل، وأن مجموع العمالة المنزلية التي كان عليها بلاغ لترك العمل، وتم تصحيح أوضاعها بلغ 550، وأنه تم ترحيل 542، بمقابل ثمانية من العمالة المنزلية الذين تم انتقالهم لصاحب عمل آخر.
وتشير هذه الأرقام المتواضعة نسبياً، إلى أن انتعاش سوق هروب الخادمات يتطلب إعادة النظر في هذا الشأن من شتى النواحي، خصوصاً في عمليات الضبط والقبض، والترحيل، والمتابعة، ووضع القوانين التي تكون بها السفارات طرفاً بذلك، لضمان حقوق المواطنين حين تهرب العاملات من المنزل، وعدم تحملهم الأعباء المالية المصاحبة لهذه الدوامة.
وعلى الرغم من عدم صدور أرقام جديدة رسمية بهذا الشأن، إلا أن لغة الأرقام الواقعية تتحدث عن نفسها، من خلال ما تنقله منصات “السوشال ميديا” والمواقع الإلكترونية، ومن خلال أحاديث الهاربات أنفسهن بطريقة فيها كثير من “البجاحه” وضرب القوانين بعرض الحائط.
وفي النظر لأسباب هذا الهروب، وهذه الفوضى العارمة إن صح التعبير، يقول صاحب مكتب الهدف للأيدي العاملة راشد السندي لـ “البلاد” إن من أهم أسباب هروب العمالة ال عدم وجود شرط جزائي في العقد الثلاثي الصادر من هيئة تنظيم سوق العمل، بإلزام العاملة المنزلية حالة هروبها بتغطية كلفة تذكرة السفر، وبقية المستحقات للكفيل.
ويردف السندي” كما أن غياب القوانين المشددة على المتسترين على الهاربات حفز غيرهم، وعلى رأسهم سماسرة “الشنط” لتشكيل عصابات تساعدهم على الهروب، وتوفر لهم المسكن والملبس، والعمل في البيوت بنظام الساعات وغيرها، في حين يعاني الكفيل وعائلته من ذلك الأمرّين”.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على