الذكاء الاصطناعي وتنظيم المعايير

٨ أشهر فى الإتحاد

يبدو أن الولايات المتحدة مدركة تماماً لخطورة الذكاء الاصطناعي، لذا فقد سارع الرئيس جو بايدن إلى إصدار أمر تنفيذي يضع معايير جديدة تتعلق بالسلامة وحماية الخصوصية بالنسبة للذكاء الاصطناعي، وهذا يعد نقطة بداية لإطلاق المنافسة وفي الوقت نفسه لحماية الأفراد، حيث قال: «إن ما سنشهده في السنوات العشرة أو الخمسة المقبلة على مستوى التغير التكنولوجي أكثر مما شهدناه في خمسين سنة الماضية».
ومن المؤكد أن البشرية مقبلة على تقدم وتطور منقطع النظير في المجالات كافة، خاصة مع اقتراب إدخال الذكاء الاصطناعي في أعمال كانت حصراً على البشر، حيث من المتوقع أن تفتح آفاقاً جديدة في المجال التقني والمعلوماتي والأمني والصحي ومجالات أخرى لا حصر لها، فالذي سيوفره الذكاء الاصطناعي من سرعة وكفاءة ودقة، سيجعل البحوث العلمية تأخذ منحى جديداً، فالباحثون الذين يعملون بمساعدة الذكاء الاصطناعي سيحصلون على نتائج أسرع وأشمل وأكثر دقة، وستفتح لهم أبواب جديدة في بحوثهم لم تكن متوفرة من قبل.
وبكل تأكيد يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى تنظيم ومراقبة من قبل جهات حكومية، لأن الشركات الكبرى وحتى الصغرى التي تعمل في هذا المجال إن لم يتم وضع ضوابط لعملها، فستطلق العنان للتقنية الجديدة، وربما يحدث تعارض مع قيمنا البشرية الأساسية، التي هي نتاج قرون طويلة من تطورنا الثقافي والأخلاقي، وهذا كله يدفعنا إلى الحذر من المارد الخارج من قمقمه، والذي سيغير بكل تأكيد من شكل عالمنا الحالي. ليست الولايات المتحدة فقط، بل كذلك أوروبا التي تتجه إلى وضع قوانين تنظم عمل الذكاء الاصطناعي، وتفرض قيوداً وعقوبات بحق الشركات التي لن تلتزم بالقوانين، لحماية خصوصية البشر وحقوقهم الأساسية. حتى أن مَن يطلق عليه «والد» أو «عراب» الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون حذَّر من مخاطره، وقال إنه نادم على العمل في هذا المجال، وقدَّم استقالتَه من شركة «غوغل».. فقدرة الذكاء الاصطناعي ستتجاوز مقدرات البشر، أي ببساطة ستتم صناعة روبوتات تتمتع بذكاء خارق يفوق ذكاء الإنسان العادي، وهذا يفتح باب أخطار استخدام الشركات التطور التقني بطريقة تخدم مصالحها وتضر بمصالح البشر عموماً.
والأمم المتحدة من جانبها دعت صراحةً إلى وضع أخلاقيات للذكاء الاصطناعي، وضرورة أن يجتمع العالَم لمناقشة هذه الأخلاقيات، التي ستتجاوز قضايا مثل قيام الذكاء الاصطناعي بسرقة وظائف البشر، حيث سيغدو الآلاف بدون عمل لتوفر آلات قادرة على القيام بأعمالهم، مثل وظائف خدمة العملاء أو محللي البيانات، وربما عمال المصانع والتسويق والترجمة وموظفو البنوك وسائقو السيارات والمعلمون، وحتى القضاة والمستشارون وكثير من المهن الطبية والبحثية. الأمر سيتجاوز الوظائف إلى الحديث عن خصوصية البشر واختراق الأمن الشخصي للأفراد ومراقبة تحركاتهم وتحليل كل ما يرتبط بهم، وأيضاً ستكثر عمليات الخداع المرتبطة بالتضليل وما يسمى «التزييف العميق».
إن الذكاء الاصطناعي لن يرتبط فقط بمواقع مثل «تشات جي بي تي»، بل سيدخل في كثير من المفاصل، وسيكون عليه الاعتماد بشكل تام، وهذا أمر جيد لأنه إذا تمت الموازنة والضبط والمراقبة لهذا التطور الهائل، فسنجنى ثمار التطور دون دفع ضريبة عالية لذلك التقدم الكبير. وتواكب دولة الإمارات عن كثب تطورات الذكاء الاصطناعي، وهي جزء مهم منها، تستثمر فيها وتدرك أهميتَها ومخاطرَها، لذا تم اختيار وزير الذكاء الاصطناعي عمر بن سلطان العلماء ضمن قائمة أهم 100 شخصية في مجال الذكاء الاصطناعي من قبل مجلة «تايم»، وقد دخلت الإمارات هذا الميدان بقوة وستحقق فيه منجزات وستوظفه بهدف خدمة أبناء الوطن.. وبكل تأكيد فهي مستعدة للعصر الجديد.
*كاتب إماراتي 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على