أميركا عام ١٩٠٠

حوالي سنتان فى الإتحاد

في نهاية القرن الثامن عشر اعتدت الثورة الفرنسية على الثورة العلمية، وأعدمت فرنسا أعظم علمائها وهو «أنتوان لافوازييه».في عام 1764 أصدر ذلك العالم الفرنسي الكبير أول أعماله في مجال الكيمياء، ثم توالت أعماله لتشمل الفيزياء والجيولوجيا، وحين اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789 كان لافوازييه قد أصبح عالماً مرموقاً للغاية.أيّد عالم الكيمياء الأشهر الثورةَ، وتطلّع لأنْ تكون أفضلَ مما سبق، لكن التطرف الثوري أطاح بالرجل الذي أعاد صياغة علم الكيمياء الحديث، حيث سرعان ما تمت محاكمته وإعدامه عام 1794 بدعوى أنه من فلول المرحلة السابقة، ويجب التخلص منه في إطار تطهير الجمهورية من الماضي الملكي!قال رئيس المحكمة: «لا حاجة للجمهورية بعلماء أو كيميائيين»، وردّ العالم المعاصر للحدث المروع «جوزيف لويس لاغرانغ»: «لقد استغرق الثوار لحظة واحدة لقطع رأس لافوازييه، لكن 100 عام لا تكفي لإيجاد شخص مثله». وهكذا انتصر الفوضويون على العلماء، وأعدمت الثورةُ السياسيةُ قائدَ الثورة الكيميائية.قام نابليون بونابرت بانتشال فرنسا من ثورتها التي تحولت إلى حرب لا قواعد لها، واستطاع أن يؤسس لإمبراطورية فرنسية أصبحت الأقوى في أوروبا، لكنه سرعان ما انهزم في معركة ووترلو الشهيرة، وتم نفيه إلى جزيرة سانت هيلانة في أقصى البحر.في عام 1820 كانت فرنسا النابليونية قد انهزمت، وأصبحت بريطانيا أقوى إمبراطوريات العالم، وظلت وحدها في القيادة شبه الأحادية للنظام الدولي حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، ما جعل المؤرخين يطلقون على القرن الممتد من 1820 إلى 1920 القرن البريطاني.وكانت الولايات المتحدة الأميركية عند الضفة الأخرى من الأطلسي قد شهدت هي أيضاً أحداثاً كبرى في القرن التاسع عشر، حيث خاضتْ حرباً أهلية ضاريةً راح ضحيتَها أكثر من (600) ألف قتيل من أجل وحدة أميركا من الشمال إلى الجنوب ومن المحيط إلى المحيط. وقد انتهت الحرب بإنجاز تاريخي لأميركا والعالم هو إنهاء العبودية، ووقف تجارة الرقيق، وقد جعلت الحرب الظافرة وإنهاء العبودية من ابراهام لينكولن المؤسسَ الثاني للولايات المتحدة. وشهدت أميركا ما بعد لينكولن نهضةً تعليمية وعلمية كبرى، وقبل أن ينتهِي القرن كانت أميركا قد قطعت شوطاً طويلاً من التعليم جعلها في مكانة أخرى وترتيب آخر. وحسب المؤرخ الأميركي «آرثر شليزنجر»، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، فإن الولايات المتحدة كانت الدولة الأكثر تعلماً في عام 1900، وأن التعليم هو الذي نقل مركز القوة من أوروبا إلى أميركا، وهو الذي أسس لبزوغ الولايات المتحدة لاحقاً. وقد وصف المؤرخون القرن الممتد من 1920 إلى 2020 بأنه «القرن الأميركي» الذي أعقب القرن البريطاني.لا يمكن تفسير حركة التاريخ عبْر متغير واحد أو سياق بمفرده، لكن يمكن القول بأن إعدام لافوازييه، كان بداية تفوق بريطاني لاحق على فرنسا، وبأن ثورة التعليم في أميركا كانت بداية تحول مركز الثقل في قيادة الغرب باتجاه الغرب.التعليم هو جوهر التحولات الجيوسياسية في العالَم، والعلْم هو المحرك الرئيسي للتاريخ.
*كاتب مصري

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على