هل تَراخى الدعم الغربي لأوكرانيا؟

٧ أشهر فى الإتحاد

كنتُ قد أشرت في مقالة سابقة إلى أن أحد سيناريوهات انتهاء الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا قد يتمثل في حدوث تطورات داخلية تلحق بأحد طرفي الصراع قبل الآخر بسبب تقلص موارده أو تغير توجهاته، وذلك بالنظر لحالة التوازن ولو النسبي في القتال بسبب الدعم الضخم الذي قدمه التحالفُ الغربي للجانب الأوكراني، والذي أدى إلى حالة من «الجمود» في القتال، ليس بمعنى السكون، وإنما عدم القدرة على الحسم النهائي للحرب لدى أي من طرفيها حتى الآن. وقد حدثتْ إرهاصاتٌ لتحولات داخلية لدى كلا الطرفين بدرجات متفاوتة، لكنها لم تصل للدرجة التي تؤثر على توجهات أي منهما في الصراع، غير أنه بمرور الوقت بدأ عدد من المؤشرات يتراكم باتجاه نوع من التململ أو التمرد في التحالف الغربي المساند لأوكرانيا.
ونذكر هنا وقوع عدد من المظاهرات الشعبية المعارضة للانخراط في دعم أوكرانيا في بعض البلدان الأوروبية، لكنها لم تصل إلى الدرجة التي تُحدث بها تأثيرًا على السياسات الرسمية المتبعة. كما برز موقف فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري المعارض لبعض خطوات حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، والمدافع عن عدم استبعاد روسيا من الساحة الأوروبية، وغير المقتنع بجدوى العقوبات عليها.
ولوحظ كذلك الموقف المحايدُ للنمسا والموقف المتردد لألمانيا والذي وصل إلى حد تصريح السفيرة الأميركية في برلين العام الماضي بأن تردد ألمانيا جعلها شريكاً «لم يعد الاعتماد عليه ممكناً»، وذلك لتحفظاتها المتكررة على هذا الدعم وشروطها الدائمة قبل تقديمه.
وقد بدأ التململ الأوروبي يزداد وضوحاً بالتصريح اللافت لوزير الدفاع البريطاني السابق والذي جاء فيه أن الغرب ليس متجر أمازون لتوريد الأسلحة لأوكرانيا. وذلك بالإضافة إلى الانتقادات المتكررة من مصادر أوروبية وأميركية للدرجة التي وصلها الفساد في أوكرانيا التي وصفها الرئيس السابق للمفوضية الأوربية بأنها «بلد فاسد تماماً». غير أنه يمكن القول بأن مؤشرات تراخي الدعم الغربي لأوكرانيا قد شهدت تحولًا لافتاً في الشهر الماضي مع تأكد الخلاف بين بولندا (وهي من أشد المتشددين ضد روسيا) وأوكرانيا بسبب تضارب مصالح مزارعي البلدين المنتجين للحبوب، وتصريح رئيس الوزراء البولندي بأن بلاده ستتوقف عن دعم أوكرانيا بالسلاح وتركز على تحديث قدراتها الدفاعية.
ثم فوز «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» في الانتخابات التشريعية الأخيرة في سلوفاكيا، والذي مثّل مؤشراً قوياً على تقلص الدعم الأوروبي لأوكرانيا، ذلك لأنه في حملته الانتخابية لم يدع مجالا للشك في أنه لن يرسل حال فوزه قطعة سلاح واحدة لأوكرانيا، ولذلك يتوقع المراقبون أن تكون حكومته المقبلة شبيهة بحكومة فيكتور أوربان في المجر، خاصة وأنه لن يصعب عليه تكوين حكومة ائتلافية توافق على توجهاته في هذا الصدد.
وكانت ثالثة الأثافي في هذا الصدد قانون التمويل المؤقت للحكومة الفيدرالية الذي أصدره الكونجرس الأميركي مطلع هذا الشهر، والذي لم يتضمن أي مساعدات جديدة لأوكرانيا، وثمة احتمال حقيقي لاستمرار هذا الوضع لاحقًا رغم الاعتراض الشديد من الرئيس جو بايدن، بل وأن يمثل السياسةَ الأميركيةَ الرسمية حال فوز «الجمهوريين» بالانتخابات الرئاسية عام 2024.. وسوف تكون لهذه التطورات انعكاساتها الأكيدة على ميزان القوى في الصراع، وإن احتاج الأمرُ نقاشاً معمقاً.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على