مصارف العراق.. و«قاطرة» الاقتصاد

٨ أشهر فى الإتحاد

بما أن العراق يقع جغرافياً ضمن منطقة ذات مخاطر عالية، مع استمرار وجود خلايا نائمة ل«داعش»، وتفاقم قضايا غسيل الأموال وتهريب الدولار، فقد دعت وزارةُ الخزانة الأميركية البنكَ المركزي العراقي إلى القيام بمبادرات استباقية لتخفيف خطر وصول الأموال إلى «كيانات معاقَبة»، وهي تركز على مخاطر وجود أفراد ومصارف، في إطار حملة أوسع نطاقاً ضد الاستخدام غير القانوني للعملة الأميركية.
وهذا مع العلم بأن الجرائم التي تنظر فيها تشمل أعمال رشوة وابتزاز واختلاس واحتيال وغسل أموال. وتنفيذاً لاتفاق مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، قرر المركزيُّ العراقي المضيَّ في الاستغناء عن التحويلات الخارجية خلال العام المقبل، وحصر التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي بدلاً من الدولار. وطلب من المصارف المجازة اعتمادَ مصارف للمراسلة في عمليات التحويل الخارجي.
وقد وضح في بيان رسمي أن «الحوالات عن طريق المصارف المراسِلة بلغت 60% من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الإلكترونية)، بينما وصلت نسبة تنفيذ الحوالات المحققة إلى أكثر من 95%». وأكد محافظ المركزي، علي محسن العلاق، أن «النظام الجديد للتحويل الخارجي وبيع الدولار يوفر حمايةً من المخاطر لأطراف العمليات كافة، ويحظى بقبولٍ وإشادةٍ دوليين، وينسجم مع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويحقق بادرةً مهمةً للعلاقات المباشرة بين المصارف العراقية والمصارف العالمية المعتمدة».
ويأتي هذا التطور في وقت تتجه فيه السياسة المالية والنقدية في العراق إلى إعادة رسم خريطة عمل المصارف مجدداً، وتطوير القطاع المالي وتعزيز قدرته على تقديم الخدمات المالية والتمويلية للمجتمع والاقتصاد، وتوفير الائتمان للمشاريع الاستثمارية، وبناء منظومة مصرفية سليمة وفاعلة، خصوصاً بعد إقرار الموازنة الثلاثية للدولة (2023-2025) وضخ مبالغ تريليونية في الأسواق.
وفي هذا السياق، بدأ البنك المركزي بإلزام المصارف المجازة بزيادة رأسمال كل مصرف من 250 مليار دينار إلى 400 مليار دينار (307 ملايين دولار) كحد أدنى، خلال مدة أقصاها نهاية العام المقبل. وشدد على «زيادة رأس المال التشغيلي لفروع المصارف الأجنبية بما لا يقل عن 60%»، محذِّراً في الوقت ذاته من أنه «في حال عدم التزام المصارف، فعليها أن تبادر بالاندماج، أو أن تخضع للاستحواذ، أو التصفية». ومن شأن تنفيذ هذه الخطوة أن يساهم في إصلاح المصارف وتمكينها من لعب دورها المطلوب كرافعة للاقتصاد العراقي، والابتعاد عن التركيز على نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية لتأمين إيراداتها. ويعمل في العراق حالياً 61 مصرفاً بينها 7 مصارف حكومية و24 مصرفاً خاصاً و11 مصرفاً إسلامياً و19 مصرفاً عربياً وأجنبياً. مع العلم أن المصارف الحكومية تسيطر على نحو 90% من موجودات القطاع، تاركةً فقط 9% للمصارف الخاصة.
وإذا كانت حكومة محمد شياع السوداني مصرة على تنفيذ إصلاحات جذرية لضبط الهدر المالي ووضع حد للإنفاق الحكومي غير المبرَّر، بما يضمن استثمار الموارد وتنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط، فستكون مطالَبة بتنفيذ إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي حتى ترتقي المصارف للعمل على خلق قطاع فاعل، مع التركيز على استراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف تنموية توفر استقراراً مالياً، وتدعم مسيرة هذا القطاع ليكون «قاطرة» للاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على