ترامب.. لماذا ينجو
ما يقرب من سنتين فى الإتحاد
كان «جون جوتي» رئيساً أو «الدون» لعائلة إجرامية في نيويورك. وأصبح سيئ السمعة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. كان حريصاً على الشهرة ويرتدي أحسن الثياب. أصبح معروفاً باسم «دابر دون» أو «Dapper Don» ولاحقاً عندما بدا أنه يتجنب الملاحقة القضائية، أصبح معروفاً بلقب «تيفلون دون».
وقد أدين في النهاية بتهم عديدة وتوفي في السجن في عام 2002 عن عمر يناهز 61 عاماً. غالباً ما يُشبه دونالد ترامب بجون جوتي من قبل منتقدي الرئيس السابق. فقد نجح ترامب بشكل ملحوظ في تجنب المساءلة القانونية عن أعماله وأنشطته السياسية والاجتماعية. لكن هذه الحرية ربما تكون قد وصلت إلى ذروتها.
وهذا الأسبوع، مَثُل ترامب أمام محكمة مدنية في مانهاتن، مع حضور ممثلين عن شركاته العديدة، لمحاكمته بتهمة الاحتيال. ويقول الادعاء إنه وشركاته قاموا لسنوات عديدة بتضخيم قيمة ممتلكاتهم العقارية. وسيرأس المحاكمة قاضٍ من دون هيئة محلفين، ومن المحتمل أن تستمر لعدة أسابيع.
جوهر القضية هو أن شركات ترامب تمكنت من الحصول على العديد من القروض الميسرة من البنوك لمتابعة أنشطتها التجارية لأن القيمة المعلنة لأصولها كانت مرتفعة للغاية وهذا من شأنه أن يجعلها مؤهلة للحصول على قروض منخفضة الفائدة.
صرح القاضي الذي يرأس الجلسة أنه في أحد نماذج الإفصاح، بالغ ترامب في تقدير قيمة ناديه في مارلاجو «فلوريدا مارلاجو» بنسبة مذهلة بلغت 2300 في المئة. تشير التقييمات المماثلة لممتلكاته الأخرى إلى تقدير مبالغ فيه للغاية، بما في ذلك ملاعب الجولف العديدة وشقته في الطابق الأعلى من برج ترامب في نيويورك. هل كانت المبالغة في تقدير القيمة خطأ أم سوء محاسبة أم احتيالاً متعمداً؟
هذا هو ما تدور حوله هذه القضية. وفي مسألة حساسة أخرى، حظي ازدراء ترامب العلني بالمحاربين القدامى وأسرى الحرب الأميركيين، وخاصة السيناتور السابق جون ماكين، بضجة إعلامية واسعة النطاق، لكن بعض تصريحاته الأكثر فظاعة تم نشرها من قبل صحفيين موثوقين دون الاستشهاد بشاهد مباشر.
والآن، تقدم رئيس موظفي البيت الأبيض في إدارة ترامب، الجنرال جون كيلي، واعترف بأن ترامب أدلى في حضوره بتصريحات على انفراد، مفادها أن أسرى الحرب «مغفلون» وأنه لا يريد أن يتواجد في حضور مبتوري الأطراف، وأن الأميركيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن كانوا «خاسرين» ولن يزور قبورهم في فرنسا.
يعد الجنرال كيلي مصدراً لا تشوبه شائبة. ولو كان أي رئيس آخر قد أدلى بتصريحات مماثلة، على سبيل المثال، باراك أوباما أو جورج دبليو بوش، لما نجوا من رد الفعل العنيف. لكن حتى الآن لم يمنع أي شيء قاله ترامب من استمرار شعبيته لدى ملايين الأميركيين. السؤال هو لماذا ينجو؟ أحد التفسيرات هو أن ترامب لديه موهبة رائعة في استغلال المظالم، وخيبات الأمل، والحسد، والعنصرية لدى عائلات العمال البيض الذين يشعرون بأنهم متخلفون عن الركب في الاقتصاد، ويعتقدون أنهم يتعرضون للسخرية من قبل النخب على السواحل الغربية والشرقية.
إنهم يعيشون في منطقة يطلق عليها «الطيران فوق البلاد» (منطقة في وسط الولايات المتحدة تقع بين الولايات المطلة على السواحل)، وهي مدن وقرى حزام الصدأ الفقيرة في الغرب الأوسط ومناطق الجنوب وأبالاشيا في الشرق. بالنسبة للعديد من هؤلاء الناخبين، تعتبر تصريحات ترامب مقبولة لأنه يستهزئ بالمؤسسة التي يشعرون أنها تخلت عنهم. وللتعويض عن هذا الدعم القوي، فإن المعارضة لترشيح ترامب لانتخابات عام 2024 ملحوظة بين العديد من المسؤولين «الجمهوريين» الذين يعتقدون، مثل نظرائهم «الديمقراطيين»، أن هناك حاجة إلى شخص أصغر سناً لقيادة الحزب. حتى الآن كان أداء منافسي ترامب سيئاً في المناظرتين الرسميتين اللتين تم إجراؤهما. وما لم ينخفض عدد المعارضين الجادين بشكل كبير في الأسابيع المقبلة، فسيُعاد ترشيح ترامب.
وما إذا كان سيتمكن من الفوز بإعادة انتخابه سيتوقف على دعمه بين نساء الضواحي المتعلمات بالجامعة اللاتي عارضنه خلال الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2020 وانتخابات التجديد النصفي في عام 2022.
جيفري كمب *
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن.