فاطمة.. والدة عبدالكريم الإعاقة ليست إعاقة الجسد.. بل إعاقة العقل والروح

٨ أشهر فى البلاد

فاطمة عبدالكريم.. مصورة محترفة تجوب بكاميرتها الأرجاء، تبحث عن لحظات جميلة توثقها، أو إنجاز تبرزه، أو جانب مبهر من الطبيعة الخلابة، فكما تجيد عدسة كاميرتها التقاط الصور الجميلة، فعدسة روحها تلتقط وتنتقي كل ما هو إيجابي وجميل في الحياة، وتنظر دائما للجانب الممتلئ من الكأس، وتضيف الألوان على الصور الباهتة والرمادية فتضفي لها الحياة، وتخضع لها الظروف القاهرة، وتنتزع ابتسامة متمردة من سطوة الحزن، ولحظات أنس ورضا من جبروت الألم.

فاطمة هي أم لطفل مصاب بالشلل الدماغي، ويبلغ من العمر 15 سنة، لم تكن هذه الإعاقة مصدر حزن أو خوف أو خجل، فانطلقت في الحياة مع ابنها وشاركته كل لحظاتها، وتنشر جانبا منها في حسابها على الإنستغرام؛ لتبعث الإيجابية وتكون أمًّا ملهمة لقريناتها وتجربة يحتذى بها، فهي تعتبر عبدالكريم قطعة من الجنة وأمانة استودعها واختارها لها الله تعالى؛ لتعتني به.
وفي كلمتها إلى المجتمع قالت: لا يجب أن يتم النظر لمن هم من ذوي العزيمة نظرة شفقة أو كسر خاطر، فكل إنسان متميز بشيء معين، والإعاقة ليست إعاقة الجسد، بل هي إعاقة العقل والروح. 

ولادة طبيعية وسنة أولى هادئة
ولد عبدالكريم ولادة طبيعية كأي طفل، وكان قدومه مصدر بهجة لوالدته والعائلة، وكانت والدته فاطمة الأكثر سعادة؛ فهو الابن الأول بعد أخته، طفل فائق الجمال ووجهه كفلقة القمر، كانت تتذوق جمال عينيه وتأسرها ابتسامته الساحرة.. تعد الأيام والشهور حتى يمشي ويتحدث ويبوح بـ “ماما”. 
وكانت سنته الأولى في الحياة كأي طفل؛ حياة طبيعية، يلعب ويضحك، فلم تفكر والدته أو تلاحظ أي مشكلة سوى أنه كان لا يرفع رأسه كباقي الأطفال في سنه، ولم تعر هذا اهتماما. 

التشخيص بالشلل الدماغي
مرت السنة وعبدالكريم لم يتمكن من المشي، ما أثار قلق والدته، فأخوه الذي يصغره بأشهر عدة بدأ يخطو، بينما هو ما زال غير قادر، وبعد سلسلة فحوصات دم وأشعة دماغية، تم تشخيصه بشلل دماغي عند طبيب أعصاب.

صدمة الخبر
كان الخبر صادمًا لفاطمة ومفاجئا لها، فقد كانت تمني النفس أن تجد ما يطمئنها ويعطي تفسيرا لهذه المشكلة، لكن الحقيقة كانت أكبر من التوقعات، وقاسية على قلب أم كانت تتمنى أن ترى طفلها يكبر ويمشي كباقي الناس. كانت تنظر لطفلها الذي لا تفارقه الابتسامة، وتهزمها دمعة متمردة في لحظات من اللاوعي وغير مصدقة للخبر، هل سيكون مصير كريم كرسيا متحركا ولن يعيش كباقي الأطفال؟ وتستذكر فاطمة تلك اللحظات فتقول: صحيح أنني حزنت وربما بكيت وهذا من حقي كوني أمًّا، ولكن لم تكن دموع انهزام أو يأس، بل هو حزن فطري، فكيف لا أحزن وأنا للتو قد علمت بوضع فلذة كبدي ومصيره، ولكنني أقول بكل عنفوان ورضا تام بقضاء الله وقدره إن صدمة الخبر لم تكن كبيرة للحد الذي أفقدني زمام الأمور وأغرقني في يأس قاتل. وسرعان ما تقبلت، وكانت لحظات من الرضا والتسليم، فلم أنظر لعبدالكريم بنظرات حزن وألم، فهل يوجد أفضل من أن يكون لديك قطعة من الجنة كما اسميه دائمًا؟

طفولة شبه طبيعية وحذرة
منذ معرفتها بالمرض وهي تبحث وتتقصى أي معلومة عن مرض الشلل الدماغي، حتى أصبحت الصورة واضحة لها تمامًا وعرفت مصير ابنها الحتمي. كانت تراقب طفولته بخوف وقلق، فمرض الشلل الدماغي لم يبسط سيطرته من البداية، ومعظم أعراضه كانت كامنة، فهذه الفترة سمحت لعبدالكريم أن يمارس حياته بشكل شبه طبيعي، فكان يخدم نفسه بنفسه، ويعتمد على ذاته في الأمور، فيمكنه الوقوف والمشي وجسمه مستقيم، ويتناول الطعام لوحده، وكان يتحدث بكلمات بسيطة. والتحق بروضة الحراك التي كانت تستقبل ذوي الإعاقة مع الأطفال العاديين. 

الشلل الدماغي أصبح واقعًا
أعراض الشلل الدماغي بدأت تلقي بظلالها على عبدالكريم وتتجسد كواقع حتمي بالتدريج، فمع وصوله إلى سن السبع سنوات، بدأ يفقد الكثير من قدراته، ووضعه يستاء شيئًا فشيئا، فقدرته على الكلام صارت أصعب، ويتحدث بلغة غير مفهومة، ولا يفهمه أي شخص، إلا فاطمة وابنها الأصغر وابنتها شهد، فهم يعرفون ما يقوله. بدأ يفقد القدرة على المشي، وخدمة نفسه بنفسه، ولا يملك قدرته على التعليم، ولكنه يملك ابتسامة ساحرة تقول عنها والدته “أجمل ما في هذه الدنيا أن أرى ابتسامته، فوحدها تقتلع كل حزن بداخلي وتمنحني الهدوء والسكينة وتشعرني بالأمان”. هنا بدأ عبدالكريم رفقته مع الكرسي المتحرك من عمر العشر سنوات، إذ أصبح رفيقه وأنيسه ورجليه اللتين يتحرك بهما.

مركز التأهيل.. بيته الثاني
وعن مدى استفادة ابنها من مركز التأهيل، أوضحت أن ابنها يذهب إلى مركز المتروك، الذي أصبح بيته الثاني، فقد أضاف إلى ابنها الكثير من الأشياء الجديدة والتعليم الذي يناسبه اجتماعيًا ونفسيًا وجسديًا، وأصبح لديه أصدقاؤه، وتكنّ فاطمة إلى كل الطاقم جزيل الشكر والامتنان، فهم كانوا يحبونه وهو أيضًا.

الصعوبات
وعن الصعوبات التي تواجهها، لفتت إلى أنها لا تستطيع تركه وحيدًا وهذه أكبر الصعوبات، فعبدالكريم لا يستطيع أن يخدم نفسه بنفسه في أبسط الأمور، ومحتاج كليًا لها، وإحدى الصعوبات المهمة والملحة لكل ذوي الهمم أنهم لا يجدون كل ما يحتاجه ذوو الاحتياجات الخاصة في الدول العربية عموما ولا المراكز التأهيلية الشاملة. وأكدت أنها لم تتعرض مع ابنها لتنمر أو عدم قبول، ولكن عبارات التعاطف كانت تضايقها ولا تحبها. 

لحظات الضعف
وعن لحظات الضعف في مسيرتها، أشارت إلى أن كل إنسان تمر عليه أوقات يشعر فيها بلحظة ضعف وهذا طبيعي جدًا؛ ولكن بعد التفكير في الآية الكريمة (لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها) نتجاوز كل شيء، وندرك أن كل شيء من رب العالمين له حكمة، والرضا بقدر الله وقدره وثقتنا به أكبر نعمة.

ماذا أضافت التجربة؟
وعن تقييمها لتجربتها مع ابنها المصاب بشلل دماغي، تؤكد أنها لا تنكر أنها أخذت منها وقتا وجهدا، ولكن بالنسبة لها هذا كله لرب العالمين، فكل الوقت والجهد لا خسارة فيه أبدًا، وأضافت لها الكثير من الأمور الجميلة وعلمتها فلسفة حمد الله على نعمه التي لا تحصى، والتمرس بالصبر كسلاح تواجه به أي أزمة في الحياة، وأضافت شعور جميلا لا يوصف. 

كلمة لعبدالكريم
بكلمات يملأها شعور الأمومة ودفء الحنان خاطبت فاطمة ابنها بالقول: عبدالكريم.. أنت متميز ودائمًا وأبدًا أنت الأفضل.. اختيار رب العالمين لك ليس بهين.. فهو يحبك أكثر من أي بشر.. وضامن لك مكانا جميلا جدًا في جنته..

كلمة إلى المجتمع
وللمجتمع كانت لها كلمة، فلفتت إلى أنه لا يجب أن ينظروا لمن هم من ذوي العزيمة نظرة شفقة أو كسر خاطر، فكل إنسان متميز بشيء معين، والإعاقة ليست إعاقة الجسد، بل هي إعاقة العقل والروح.
كلمة لعوائل مرضى الشلل الدماغي
ووجهت فاطمة كلمة لعوائل مرضى الشلل الدماغي فقالت “أنتم أبطال.. وجزاؤكم عند رب العالمين كبير جدًا.. ودائمًا تذكروا أن ما بين أيدكم هو قطعة من الجنة، وأن الله اختاركم لتعتنوا فيها.. فهنيئًا لكم”.

كلمة شكر
حين طلبنا منا توجيه كلمة شكر، ابتسمت وقالت “ابنتي.. أول كلمة شكر أوجهها بعد الله لابنتي شهد وصديقتي، ففي غيابي هي المسؤولة عنه، وتعتني به وهي خير مسؤولة، فتعتني به بحب وإخلاص، وتفتخر به دائمًا. وأشكر كل من ساعدني بفعل أو كلمة طيبة من الأهل والأصدقاء”.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على