قمة العشرين.. و«ممر الهند أوروبا»
ما يقرب من سنتين فى الإتحاد
شاركت دولة الإمارات مؤخراً كضيف شرف في قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في الهند بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله ورعاه. ورغم أن عقد قمة العشرين مسألة دورية اعتيادية، إلا أن عقدها في هذه الدورة أتى في مرحلة حرجة من مسارات العالم السياسية والاقتصادية. على الصعيد الاقتصادي بالتحديد تمر دول العالم قاطبة بأزمات قوية تحتاج من العالم أجمع أن يقف سوياً لمواجهتها وحلها.
وتأتي مشاركة دولة الإمارات على هذا المستوى الرفيع بمشاركة رئيس الدولة حفظه الله ورعاه كإضافة مهمة لأعمال المؤتمر وللنتائج التي تمخضت عنه. لكن أكثر الأمور أهمية التي تلفت الانتباه وتكتسب زخماً بالنسبة للسياسة الخارجية لدولة الإمارات هو الإعلان عن إنشاء ممر اقتصادي عالمي يربط بين الهند ودول الخليج العربي وعدد من الدول العربية وجوارها الإقليمي شمالاً وصولاً إلى أوروبا. إن هذا المشروع العالمي في حال تنفيذه ستكون له نتائج إيجابية جمة على جميع الدول الضالعة فيه، بالإضافة إلى العديد من دول العالم الأخرى التي ستستفيد من وجوده.
وأكدت مجموعة من الدول المشاركة في قمة العشرين: دولة الإمارات والسعودية والهند والولايات المتحدة الأميركية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، بموجب مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها، أنها تتطلع وترغب في العمل مجتمعة على إنشاء ممر دولي يربط بين الهند وأوروبا مروراً بدول الخليج العربي وعدد من الدول العربية ودول جوارها الجغرافي.
وتأمل الدول الموقعة على المذكرة بأن يؤدي إنشائه إلى دعم وتحفيز التنمية الاقتصادية وحركة التجارة الدولية والنقل الدولي من خلال تقوية وتعزيز الربط والتكامل الاقتصادي بين هذه المناطق، بالإضافة إلى الدول الواقعة فيها والمحيطة بها أو القريبة منها. المعلومات الأولية حول المشروع تشير إلى أنه يتألف من ممرين هما «الممر الشرقي» و«الممر الشمالي». الأول سيكون رابطاً بين الهند وبين دول الخليج العربي، والثاني سيكون رابطاً بين دول الخليج العربي وبين أوروبا.
أما وسائل النقل التي سيتم الاعتماد عليها، فهي متنوعة من بينها شبكات السكك الحديدية ووسائط النقل البحري، وجميعها ستكون في شكل شبكات نقل عابرة للحدود لتكملة وسائط النقل المتنوعة لتمكين السلع والبضائع والخدمات والركاب من المرور والوصول إلى وجهاتها النهائية التي تنشدها. وتشير المعلومات المتوفرة أيضاً إلى أن المشاركين في المشروع سيعملون على تقييم إمكانية تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف.
والعملية الأخيرة هذه لو نفذت، فإنها ستسهم كثيراً في انتشار الطاقة النظيفة في أوساط العديد من الدول التي تستخدم الطاقة الأحفورية في شبكاتها الكهربائية، وهذا أمر طموح جداً في حماية البيئة العالمية من التلوث الذي تتعرض له الآن وفي التخفيف من الاحتباس الحراري الذي تتعرض له الكرة الأرضية والدمار الذي شهدته طبقة الأوزون في السنوات الماضية.
وحقيقة أنه على خلفية ما تنجزه دولة الإمارات في سياستها الخارجية في هذه المرحلة من تاريخها تأتي دقة ما طرحته في أوقات سابقة، بأن دولة الإمارات تبني مناهج وطرق وأساليب جديدة في علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية، وهي فعلاً تمارس هذا النهج على هذه الصعد، يتجلى ذلك في انضمامها إلى مجموعة بريكس ومشاركتها في قمة العشرين وفي كل ما هو قادم في الربط بين السياسة الخارجية والاقتصاد. إن تعاون دولة الإمارات في المبادرة يعزز جهودها الرامية إلى تقوية شراكاتها الدولية في تحقيق مستقبل مستدام أفضل للبشرية جمعاء.
وكنتيجة للتطور المنطقي للتركيز على جوانب الاقتصاد السياسي والتجارة الدولية تم خلال السنوات الأخيرة تحقيق تقدم كبير على صعيد الخارجية وعلاقات دولة الإمارات الدولية. هذا التقدم، جاء في شكل إحلال لمناهج كانت تركز على علاقات الدولة السياسية من حيث كونها جوهر السياسة الخارجية. لكن الآن يتضح أمامنا وجود برامج ومشاريع من شأنها أن تسمح بوجود نطاق أوسع لفاعلين اقتصاديين وعمليات اقتصادية دولية جديدة في مناهج السياسة الخارجية. هذه المشاريع والبرامج الاقتصادية الجديدة تشكل الشرط المسبق والضروري للطرق المنظم للعلاقة بين الاقتصاد السياسي والسلوك السياسي للدولة.
*كاتب إماراتي