الأنساق الرمزية للعبور والاغتراب في الشعرية العربية

٩ أشهر فى الإتحاد

محمد نجيم (الرباط)كتاب جديد تعززت به المكتبة المغربية والعربية هو: «الأنساق الرمزية للعبور والاغتراب في الشعرية العربية الراهنة»، الصادر مؤخراً لمؤلفه الباحث والناقد والمترجم المغربي الدكتور محمد آيت لعميم، كتاب يسلط فيه الضوء على مجموعة من القضايا التي تمس راهن الشعر العربي الحديث ومنها الإبدالات والتحولات التي شملت الشكل والمحتوى، فالشعر هو ذلك النسغ الذي يسري في الأشياء فيحولها إلى جمال فاتن. هو ذلك الكلام المختلف الذي يصل إلى عمق الأشياء ويكشف الحجب عنها، إنه محاولة دؤوبة لتسليط الضوء على الخفي والمستور.هو، بحسب المؤلف «جدل بين المرئي والمحجوب». الشعر اختلاس للفرح، حدس اللحظة، وإمساك بالمنفلت، هو إلقاء التحية على العالم وسط الإعصار، والشاعر كيميائي، يبدل الخسيس إلى معدن نفيس. الشاعر جسور يسبق إلى تسمية الأشياء، ويفتش عن الكلام، فكل شاعر حقيقي هو آدم جديد يتكشف له العالم باستمرار، باحثاً له عن أسماء، عبر صقل اللغة وإزالة صدأ الاستعمال، إذ اللغة تتسخ بكثرة الاستعمال والتداول كالقطعة النقدية.صيرورة الشعريرى محمد آيت لعميم، أن صيرورة الشعر، عرفت تحولات جذرية، أفضت إلى تجاور وتجاوز مجموعة من الأشكال استقرت عليها القصيدة العربية، فمن الشكل العمودي الذي تلبس به الشعر منذ ظهوره وحتى اليوم، إلى شكل قصيدة التفعيلة، بوصفها محاولة تجديدية وتحديثية للشكل الشعري، وصولاً إلى ما أطلق عليه «قصيدة النثر».  إن سؤال العبور، بدا للباحث من خلال مصاحبة هذه التجارب الشعرية، لأن سؤال العبور والاغتراب كان سؤالاً مهيمناً في تجربة قصيدة النثر العربية، إذ العبور ارتبط بشعراء عرفوا حقيقة هجرة الأوطان لأسباب مختلفة، وعاشوا في المنافي، وفي أرض الاغتراب. حتى الذين لم يعبروا الجغرافيا، عرفوا عبوراً آخر باتجاه الأعماق ودواخل ذواتهم، وعاشوا قلقاً وجودياً وغربة داخل الذات. بهذا المعنى يتحول العبور إلى رمزية كبرى سواء كان عبوراً للأمكنة، أم عبوراً ومجازاً باتجاه الأغوار والمياه العميقة للذات. وقد كانت مخرجات هذا العبور هو الإحساس القوي بوطأة الاغتراب. 

تموجات الروح  استطاع المؤلف أن يستقصي آثار الترحال والعبور في أشعار سيف الرحبي وسركون بولص وأمجد ناصر ومحمود عبد الغني، كما سلط الضوء الكاشف على الشاعرة الإماراتية، نجوم الغانم، المتعددة التي جمعت بين الشعر والفن التشكيلي والسينما، مستكشفاً في قصائدها موضوع العبور والاغتراب عبر توظيفات مجازية كبرى لدلالات الليل التي أفسحت لها المجال كي تغوص في أعماق الذات، بغية فهم اغتراب الكائن في الوجود.وفي فصل خصه المؤلف للغوص في ديوان «ليل ثقيل على الليل» للشاعرة نجوم الغانم، يرى آيت لعميم أن الشاعرة أظهرت مكنوناً شعرياً، عبر اختيارها الجمالي لقصيدة النثر، التي أفسحت لها المجال لتتكئ على تجربتها الحياتية وتنحت منها صوراً جديدة، بشحنات تقتات من دقة الملاحظة، واقتناص تموجات الروح والبحث عن صيغ تعبيرية تلائم هذه التموجات، كما تمكنت عبر غوص عميق في بئر الذات من استيلاد تداعيات موضوعاتية تعمل على تشبيك حقول دلالية تشاكلية، بمنطق شعري يجعل العبارات تتصادى فيما بينها محتفظة بنوع من الملاءمة بين عناصر الصورة والخيال المشكل لها فجاءت مجموعتها الشعرية منتظمة في موضوعات يسلكها خيط ناظم يحافظ على تماسك التجربة ووحدتها.

شارك الخبر على