حجي شاكر.. ما كنت لتقول فيما يجري..؟

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

كنت في عمري الفتي أؤثر مبنى المكتبة العامة المتهالك، العابق برائحة الورق، على الحدائق وأماكن اللعب. وكان حجي شاكر -رحمه الله- مسؤول تلك المكتبة يقضي اليوم جالساً وقد أرخى نظارته على أنفه، يتأكد من أن الصحف والكتب لا تُسرق ولا تُقطع، ولم يكن لديه -على حد علمي- عمل يُزجي به الوقت غير نهر الناس بعينيه، أو طقطقة لسانه، لزجر من تجاوزوا الحد المقبول للضجيج.«أظن أني رأيت كل شيء في حياتي -قال لي يوماً- شهدت في زمني حياة شاه إيران، ملك الملوك كما سمى نفسه: كان يستحم بالحليب واستقدم 200 طاه من فرنسا لحفل عشاء واحد. كانت أمعاء شعبه تئن من الجوع عندما أنفق 120 مليون دولار لإقامة احتفال أسطوري عند أطلال مدينة «برسي بوليس». شهدت كل هذا في حياتي، يقول حجي شاكر، وهو يفغر عينيه بحماس، وشهدت في حياتي أيضاً انهيار حكمه وسلطانه، ورأيت كيف تشرد وهامت طائرته في البلدان بحثاً عن موطئ.. لقد أرتني الحياة فعلاً كل شيء».أظن أن حجي شاكر كان ينسى كثيراً، لذا قال لي هذه القصة 20 مرة على الأقل. بذات الحماس ومع إضافات هامشية. وبدا لي أن سقوط الشاه كان حدثاً محورياً في حياته هو. ومدعاة للتأمل بما يحمله من مفارقات القدر ومكر الله بالمسرفين والمتنفذين.ماذا كان حجي شاكر سيقول يا ترى لو مدَّ الله بعمره ليومنا هذا؟لو شهد -كما شهدنا- تكريم الاتحاد الأوروبي لابن علي، وتنكرهم له بعد شهرين فور سقوطه. لو رأى ما دار على معمر القذافي من دوائر. وكيف أُعدم صدام حسين صبيحة العيد. ورأى حسني مبارك وأولاده في عزهم، ثم رآهم بثياب السجن وخلف القضبان، وصولاً لرؤيتهم محررين ومجردين في الوقت نفسه من النفوذ والسلطة!ماذا سيقول: لو رأى كيف مسَّ شيوخ وأعيان ظن الناس أنهم لن يمسوا. وكيف أفلتت ممالك مالية. وكيف كسر الزمن شخصيات ظنناها غير قابلة للكسر!كان حجي شاكر يُسبح بحرارة وهو يتحدث عن ملحمة الشاه ويردد أنه «رأى كل شيء في حياته» وكأن رؤية حاكم يترجل من عرشه هي سنام السوسيولوجيا. فما تراه سيقول لو رأى ما نرى، بوتيرة أسرع من أن نستوعبها، من أعاصير السياسة وتموجاتها.إن الزمن أرانا أكثر مما نريد. لنتأكد من أن وعد الله حق، وأن ديون هذه الحياة لم تعد مؤجلة الدفع. وأن لكل متكبر نهاية، ولكل جواد كبوة، وأن الأيام دول لا يأمن مكرها إلا المغفلون. وفي ذلك عبرة لملايين وأمل لملايين أخرى؛ فهناك دوماً خطة إنقاذ إلهية مختبئة في زاوية ما من زوايا الواقع المحبط. ولا أحد أكبر من أن تطاله يد القدر وتأخذه إلى حيث لا يحتسب.

شارك الخبر على