بدأت من الدورات الرمضانية.. قصة صعود «عامل الطوب» إلى عرش «أمير القلوب»
ما يقرب من ٨ سنوات فى التحرير
سحر القلوب بأخلاقه ومهاراته الكروية الفريدة، اجتمع على حبه الأهلاوية والزملكاوية، ارتفعت الكفوف بالدعاء له مع كل هدف كان يحرزه في بطولات الأمم الإفريقية، وهتف الفلسطينيون باسمه لتضامنه مع قضيتهم، لم يتجرأ أعضاء رابطة مشجعي النادي الأهلي "أولتراس" على سبّه يوما في المدرجات، فاكتسب حبهم وتأييدهم، وكان دائما حلقة الوصل بينهم وبين إدارة النادي الأهلي، ولا ينسى أسر الشهداء الذين فقدوا ذويهم في أحداث مجزرة بورسعيد، فكان دائم السؤال عنهم، إلا أن كل ذلك لم يشفع له فور دخوله "عش دبابير السياسة"، فمع تأييده للمرشح الرئاسي آنذاك "محمد مرسي"، بدأت الانقسامات حوله، والتي استمرت حتى بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، ليتم إدراجه على قوائم الإرهاب، ومن ثم يلقبه محبوه بـ"إرهابي القلوب".
"التحرير لايف" يرصد لكم في التقرير التالي محطات في حياة "الماجيكو" محمد أبو تريكة..
رحلة صعود عامل الطوب
في السابع من نوفمبر عام 1978، ولد "محمد محمد محمد أبو تريكة"، بقرية "ناهيا" في محافظة الجيزة، لأسرة بسيطة، تتكون من أب وأم، وأخت وحيدة، و4 أشقاء هم: "حسين" الذي يعمل مدرسا، و"أسامة" يعمل محاسبا بإحدى شركات البترول، و"محمود"، وهو الأخ الأصغر، حاصل على معهد متوسط، ويلعب كرة القدم في أحد النوادي غير المشهورة، بخلاف أخ أكبر يدعى "أحمد"، توفي وهو في الثانية والعشرين من عمره، أثناء تأديته الخدمة العسكرية، وكان يلعب كرة القدم بالفريق الأول لمركز شباب "ناهيا"، ويقال إنه كان أكثر مهارة من شقيقه "محمد"، وقد تأثر كثيرا برحيله.
ضيق المعيشة أجبره على العمل في مصنع للطوب وهو في الثالثة عشرة من عمره، ولمدة 6 سنوات، خلال العطلات الصيفية، فلم يكن "محمد" مهملا لدراسته رغم صعوبة ظروف أسرته، لكن في نفس الوقت لم يتجاهل حبه الفطري لكرة القدم، فكان يشارك بالدورات الرمضانية في مناطق "ناهيا، وصفط اللبن، والمعتمدية"، وهو الأمر الذي ساهم في تنمية مهاراته.
كان يتمنى أن يصبح مهندسا، إلا أن مجموعه في الثانوية العامة أهله لدخول كلية الآداب، قسم تاريخ، في جامعة القاهرة، وفي ذلك الوقت كان قد بدأ بالفعل أولى خطواته على طريق احتراف لعبة كرة القدم.
الترسانة أول الطريق
ببلوغه سن الثانية عشرة، تقدم "محمد" لاختبارات نادي الترسانة بطلب من أحد جيرانه، وقد تجاوز الاختبارات بحرفية عالية، لكنه انقطع عن الذهاب للنادي لمدة عام ونصف، بسبب عدم قدرته على شراء حذاء رياضي، وهو الأمر الذي وصل إلى أسماع الكابتن حنفي شعراوي، فاستدعاه وتكفل بمصاريفه، وفق رواية الناقد الرياضي والكاتب حسن المستكاوي.
وفي عام 2003، أعلن النادي الأهلي تعاقده مع اللاعب محمد أبو تريكة، بعدما فشل الزمالك في ضمه، بسبب تخوفات "تريكة" من عودة اللاعب حازم إمام من الاحتراف بإيطاليا مرة أخرى للنادي الأبيض، وقد كان يلعب في نفس مركزه.
لم يكن النادي الأهلي بوابته لتمثيل مصر في البطولات من خلال المنتخب الوطني، إذ إنه لعب أولى مبارياته مع المنتخب في عام 2001، بعد أن اختاره الكابتن محمود الجوهري للمشاركة، وكان عمره وقتها 23 عاما.
ساحر القلوب
نجح محمد أبو تريكة في سحر قلوب الأهلاوية وعشاق الكرة عامة بمهاراته الكروية العالية، وحسه الفني الراقي في أسلوب لعبه وتسديداته، واستطاع طوال فترة وجود في الأهلي أن يحصد البطولات ويحرز الأهداف التي انتزع بها صيحات الأهلاوية، إذ تمكن من إحراز 79 هدفا في الدوري المصري، طوال فترة وجوده في الأهلي، بجانب 32 هدفا للنادي الأهلي في بطولات دوري أبطال إفريقيا، فضلا عن كونه الهداف التاريخي للقاءات القمة بين الأهلي والزمالك، بإحرازه 13 هدفًا بمختلف المناسبات.
أما على مستوى المنتخب، فقد شارك في 100 مباراة دولية، وأحرز 38 هدفا، كما لعب بطولتين لكأس الأمم الإفريقية، في نسختي 2006 و2008، وأحرز ركلة الترجيح الحاسمة في النهائي الأول، والهدف الحاسم في النهائي الثاني، وحصل في أعوام 2008 و2012 و2013 على لقب أفضل لاعب إفريقي داخل القارة السمراء.
وطوال فترة وجوده بالنادي الأهلي، لم يحترف "تريكة" سوى مرة واحدة على سبيل الإعارة لموسم 2012 - 2013 لنادي "بني ياس" الإماراتي، وخلال تلك الفترة تمكن من إحراز بطولة دوري أبطال الخليج وأحرز هدف الفوز لفريقه في النهائي.
اعتزال
أول تفكير راوده في الاعتزال كان مرهونا بتأهل المنتخب لكأس العالم 2010، وبعد الفشل عاود المحاولة لنسخة 2014، لتتوقف مسيرته الدولية في مباراة غانا، التي فاز بها المنتخب الوطني بنتيجة 2- 1.
أما على مستوى الأندية، فقد قرر "تريكة" توديع النادي الأهلي في نهائي دوري أبطال إفريقيا لعام 2013، إلا أن الجمهور حثه على الاستمرار في بطولة كأس العالم للأندية في المغرب، وهو ما تم بالفعل، لكن إصابته في إحدى المباريات دفعته لاعتزال اللعب بشكل نهائي.
إنسانيات
اشتهر "أبو تريكة" بمواقفه الإنسانية العالية، والتي رفعت من رصيده لدى الجمهور، وجعلت له ظهيرا شعبيا حتى هذا اليوم، يرد عنه الإساءات، بل ويتحدث باسمه أحيانا، وقد يورطه في صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، آخرها مطالبات الجمهور له بالعودة للتدريب والانضمام للمنتخب الوطني، حتى يشارك معه في كأس العالم 2018 في روسيا، وهو الأمر الذي اعتبره البعض إزهاقا لحق الجيل الحالي من اللاعبين في المنتخب الوطني، مما دفعه للخروج والتصريح عبر حسابه على "تويتر"، بأن من صنعوا الفرصة هم أجدر بها، لينهي الجدل الدائر حول ذلك.
أما أثناء فترة لعبه، فلم يدخر "تريكة" جهدا في اختطاف القلوب، فلا أحد ينسى موقفه من حصار غزة، حينما كشف عن جملة كتبها على "تي شيرت" أسفل قميصه، ولم تكن سوى شعار "تعاطفًا مع غزة"، وذلك عقب مباراة المنتخب المصري ونظيره السوداني، التي انتهت بفوز المنتخب المصري 3/صفر، في الدور الأول لبطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم 2008، ليتم بيع القميص في مزاد خيري لصالح صندوق توفير الدواء لأبناء غزة.
وعقب مجزرة بورسعيد التي وقعت في فبراير 2012، أعلن اعتزاله كرة القدم، ولكن بعد مرور أسابيع على الحادث، ونظرًا لارتباط النادي بمبارياته الإفريقية قرر التراجع عن قرار اعتزاله والانتظام في التدريبات.
وفي تصريحات صحفية وتليفزيونية، كشفت والدة اللاعب الراحل محمد عبد الوهاب، أن "تريكة" كان من أكثر اللاعبين تأثرًا برحيل ابنها، كما كان دائم السؤال عليها بعد وفاته، لدرجة أنه حكم على زملائه بعدم ارتداء قميص رقم 3 إلا بعد استئذانها، وبالفعل اصطحب اللاعب سيد معوض إلى الفيوم حيث تسكن، وأخبرها أنه يريد استئذانها لارتداء القميص رقم 3، كما ذكرت أن أبو تريكة كان يذهب سرا لزيارة قبر نجلها وتوزيع الصدقات على روحه، قائلة: "محمد عمره ما راح من باله".
مواقف سياسية
كانت الشعبية الجارفة التي حققها "أبو تريكة" مطمعا للكثير من السياسيين، وعلى رأسهم "جمال مبارك"، الذي قيل وقتها إنه حرص على التقاط الصور بجوار "تريكة" حتى يكسب أرضية جماهيرية له، تمهيدا لمشروع توريثه حكم مصر خلفا لوالده "مبارك"، إلا أن اللاعب لم يكن يصرح مباشرة بتأييده لجمال مبارك من عدمه.
آراء "الماجيكو" السياسية بدت واضحة مع سقوط حكم الرئيس الأسبق "مبارك"، عقب ثورة 25 يناير، فخلافا لعدد كبير من زملائه اللاعبين، فضل "تريكة" الانحياز لثوار ميدان التحرير، وانتشرت مقاطع فيدو له وهو يصلي في الميدان.
مع تولي المجلس العسكري زمام الحكم بتكليف من "مبارك"، واصل "أمير القلوب" معارضته، بل ورفض مصافحة المشير طنطاوي محملاً إيّاه مسؤولية مذبحة بورسعيد، وقاد تظاهرة أمام النادي الأهلي وهتف فيها بـ"سقوط حكم العسكر"، وصدح صوته هاتفا: "يا نجيب حقهم.. يا نموت زيّهم"، وكان ذلك اليوم بداية عداء متبادل بين "تريكة" وبعض الإعلاميين الموالين للدولة، وأصبح اسمه مستباحا في جلسات النميمة الإعلامية.
قُبيل موعد الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، دخلت مصر في نفق الانقسام بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، وانتشرت لافتات في "ناهية"، مسقط رأس أبو تريكة، تحمل صورة اللاعب وتعلن تأييده لمرشح جماعة الإخوان "مرسي"، وكان اللاعب قد أعلن صراحةً على شاشات التليفزيون دعمه لمرشح الجماعة، وحزب الحرية والعدالة، وحينها ارتفعت الأصوات تؤكد أن "تريكة" لم يكن سوى "خلية إخوانية نائمة".
بعد سقوط حكم الجماعة في مصر، وتولي المشير عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية، ساءت علاقة "تريكة" بالدولة، خاصة بعد رفضه تسلم ميدالية فوز الأهلي ببطولة دوري أبطال إفريقيا، من وزير الرياضة طاهر أبو زيد، وهو الأمر الذي فسره البعض بعدم اعتراف "تريكة" بثورة 30 يونيو، لتبدأ حملة من الهجوم عليه، انتهت بخروجه من مصر، وعمله بمجال التحليل الرياضي في قناة "bein sport"، حتى تم إدراجه على قوائم الإرهاب، بقرار من محكمة جنايات القاهرة، تم نشره في الجريدة الرسمية، ضمن قائمة ضمت 1500 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.