إسلامية المعرفة و«أسلمة» العلوم

٩ أشهر فى الإتحاد

«أسلمة المعرفة» أو «أسلمة العلوم الإنسانية» فكرة جديدة نسبياً في العالمين العربي والإسلامي، وهي جاءت بناء على موقفٍ رافضٍ للاستعمار الغربي، ثم تطوّر لدى بعض التيارات من رفض «الاستعمار» سياسياً إلى رفض «الحضارة» الغربية و«التشكيك» بمنتجاتها العلمية والإنسانية.
التيار الرافض للغرب والمهاجم له بمنطقٍ دينيٍ يعتمد على «الإسلام» قد عُرف في أطروحات متعددة في تركيا ما قبل سقوط الخلافة العثمانية وأيضاً في مصر والهند وفي أطروحات «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده» بعد مرحلة تقلبات عاشها الرجلان ما بين فرنسا ومصر أوصلت الأخير لكلمته الشهيرة: «لعن الله ساس ويسوس وسياسة»، ثم انتقلت لبعض تلاميذهما وبخاصة تلاميذ «محمد عبده» وعلى رأسهم «محمد رشيد رضا» الفقيه المعروف. تبنّى بعض الفقهاء هذا الموقف المعادي للغرب، وسعى قلة إلى التوفيق بين «علوم الشريعة» و«العلوم الإنسانية الحديثة» وخرج «حسن البنا» أحد تلاميذ «محمد رشيد رضا» وأسس «جماعة الإخوان المسلمين» واستقطب بعض هؤلاء الفقهاء ضمن جماعته وتنظيمه وعلى رأسهم «طنطاوي جوهري» الأزهري المعروف، وتطورت الجماعة كثيراً بعد ذلك في العديد من المجالات.
بناء على عوامل متعددة، وتطورات مختلفة، ومع تغير الأحداث عالمياً وإقليمياً وداخلياً، تطور نوعٌ من التأثر والتأثير، علمياً وسياسياً وثقافياً، وبرزت في خضم ذلك كله «الصحوة الإسلامية» كما يسميها أتباعها قبل خصومها، وتبنّت ظاهرة «الأسلمة» وهي أيديولوجيا ذات أبعادٍ ثقافية واجتماعية وسياسية وعلمية يراد بها جعل الشيء «إسلامياً» بعد أن لم يكن، و«الإسلامي» غير «المسلم». خرجت مشاريع ونظريات وتيارات تتبنى «الأسلمة» في كل شيء باعتبارها جزءاً من حماية «الهوية» و«الدين» أمام «الغرب» المنتصر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، وطالت هذه «الأسلمة» مجالاتٍ متعددةٍ منها الأدب والاقتصاد والتاريخ والعلوم الإنسانية ومنها «أسلمة المعرفة».
جاءت «أسلمة المعرفة» كمنتجٍ مع غيره من «المنتجات» المعرفية الوهمية التي تحتاج لقراءة ونقدٍ، وفي البداية فإن مرحلة «الاستعمار» كانت صدمةً تاريخيةً حيث تفاجأ المسلمون بسيطرة «الغرب» وتفوّقه العلمي والحضاري والعسكري، وقامت حركات التحرر الوطني بشتى تصنيفاتها، ودعت قلةٌ للاستفادة من علم الغرب وتقدمه ودعت أكثرية لرفض كل ما جاء من الغرب من «استعمار» و«علم» و«حضارة».
عاش «الأفغاني» و«محمد عبده» في فرنسا لسنواتٍ ثمانٍ وأصدرا مجلة «العروة الوثقى» وعادا للشرق، ثم كفرا بالغرب ووجها نقداً شرساً له، وخططا لاغتيال «الخديوي إسماعيل» ثم توازن محمد عبده وصار يبحث عن «الإصلاح» وقال كلمته الشهيرة: «لعن الله ساس ويسوس وسياسة».
لمحمد عبده تلاميذ كثرٌ من تياراتٍ مختلفة، ومنهم «محمد رشيد رضا» الذي تتلمذ على يديه «حسن البنا» مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، وقد ورثت «جماعة الإخوان» كل الخطاب المعادي للغرب حضارياً، ولكنها لم تر بأساً من التعاون معه سياسياً، منذ أول دعمٍ تحصل عليه حسن البنا من «شركة قناة السويس» الإنجليزية وإلى اليوم حيث تستقطب الدول الأوروبية كل جماعات الإسلام السياسي ورموزه وتقدم لهم الدعم اللامحدود وتستخدمهم لعقودٍ لضرب دولهم واستهداف أوطانهم.
جماعة «الإخوان المسلمين» أصل جماعات الإسلام السياسي قاطبةً، وقد تفرع خطابها وتنوّع، وولدت من رحمها «حركات» و«جماعاتٌ» و«تنظيماتٌ»، وتعددت أطروحات هذه الجماعات من ثورية «سيد قطب» إلى «دعوية حسن الهضيبي» ومنها أطروحات «محمد الغزالي» و«يوسف القرضاوي» التي التصقت بالفقه أكثر مما كانت تتحرك فيه الجماعة، ثم خرجت على هامش هذه الجماعات خطاباتٌ أخرى بعضها اتجه لمزيد من «التطرف» و«الإرهاب» وبعضها اتجه للأطروحات النخبوية والتفتيش عن طريقٍ جديدٍ. أخيراً، فإن «أسلمة العلوم» أو «إسلامية المعرفة» شعارٌ بنيت عليه مشاريع وصرفت عليه أموال طائلة وهو يستحق المناقشة.
*كاتب سعودي

شارك الخبر على