هل الحضارة الغربية في أزمة؟

١١ شهر فى الإتحاد

يرى المؤرخ الأميركي الكبير أرثر شليزنجر، أن الحضارات دورات لولبية، لا نهاية لها، تبدأ ثم تنتهي، تصعد وغالبا ما تنحدر، منذ آلاف السنين درجت الإنسانية على ذلك. وعند شليزنجر كذلك أنه غالبا ما تتفكك الحضارات من الداخل وبفعل عوامل ذاتية، بأكثر كثيراً جداً من العوامل الاقتصادية أو الأحداث الخارجية، أو حتى الأعداء الخارجيين. تبدو الحضارة الغربية مهددة الآن تهديداً فادحاً، لأن معظم الغربيين لم يبقوا الآن مؤمنين بالأفكار التي جعلت الغرب ناجحاً إلى هذه الدرجة، ذلك أن انهيار الثقة بالنفس الغربية ليس له إلا القليل من العلاقة والارتباط مع الأعداء، وله كل شيء من العلاقة والارتباط مع التحولات الزلزالية في الأفكار والمواقف الغربية.كيف نجحت حضارة الغرب أول الأمر؟ الشاهد أنها ازدهرت أكثر من أي حضارة أخرى في الماضي أو الحاضر، وكانت هذه الحضارة أكثر نجاحاً في النواحي الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، وفي العلم والتقانة، وفي الفنون، وفي تعزيز صحة مواطنيها، وثروتهم، وطول أعمارهم، وربما سعادتهم زيادة على ذلك، وبرغم جميع أخطائه العديدة الظاهرة والخطيرة، فإن الغرب يعلق أهمية على قداسة الحياة الإنسانية وكرامتها أكثر مما فعلت حضارات أخرى عديدة أو تفعل الآن، وعلى تعليم كل شعبها، وعلى المساواة في الفرص.هل الانحدار الحضاري قدر مقدور في زمن منظور؟أفضل من قدم جواب عن علامة الاستفهام المتقدمة، الفيلسوف الألماني، أوسفالد شبنجلر (1880-1936) والذي اعتبر أن تاريخ الحضارات الإنسانية ليس خطا مستقيما إلى التقدم، بل هو دورات متعاقبة من النمو والانحلال وأن كل حضارة هي أشبه بإنسان، يولد وينمو وينضج ثم يشيخ ويموت.أما أرنولد توينبي، المؤرخ الإنجليزي الشهير (1889-1975)، فقد آمن بدوره بأن التاريخ «دورات حلزونية» تولد وتنمو، ثم تشيخ فتموت، لكنه كان يرى أن القوى الحاضرة استفادت من خبرات التجارب السابقة وستعرف كيف تتجاوز المطبات التي أمامها. ما الذي يتبقى قوله؟الحقيقة أنه على الرغم من أن الغربيين نادرا ما يقرون بذلك، فإن الحضارة الغربية الليبرالية توفر لمواطنيها منافع أكبر بكثير إلى حد بعيد مما توفره الحضارات المعاصرة الأخرى، والمجتمع الليبرالي، هو أنجح صيغة تم ابتداعها حتى الآن، ويحتمل أن يمكن ابتداعها في أي وقت، من أجل مزجها لاقتصاد نابض بالحيوية والحراك مع مجتمع يتحلى بأعلى المثل العليا للكرامة الإنسانية وللاستقلال الذاتي.يحاجج الكثيرون من مناصري الحضارة الغربية بأنه يصعب على البلدان الواقعة خارج الغرب أن تطور حضارة ليبرالية، وذلك ببساطة، لأن تاريخها مختلف عن تاريخ الأوروبيين والأميركيين، وإن البلدان الأخرى تحتاج إلى المسير عبر مدة طويلة من الصراع والنزاع البناء، ومن ضمنها تطور التعاون وارتقائه بين المجموعات الاجتماعية المختلفة.هل يعني ما تقدم أن الحضارة الغربية بات لديها حجر الفلاسفة؟في كتابه «تعايش الثقافات»، يجيب المفكر الألماني، هارالد موللر، بالقول إن الغرب لا يمتلك الوصفة التي تجيب عن تحديات العولمة، والتأريخ لم يصل إلى نهايته، والبشرية لم تعثر على نقطة السكون في النظام الغربي. ومع ذلك فإن الغرب وإنْ كان لا يمتلك حجر الفلاسفة، إلا أن مجتمعاته المفتوحة ونظمه السياسية تقدم عالمياًِ الشروط المثلى للمضي قدماً في البحث. هل ستتجاوز الحضارة الغربية كبواتها في حاضرات أيامنا ما يعطي دفقاً جديدا للحضارة الغربية، أن أنها ستخضع لقوانين الحضارات، صعودا وهبوطا؟ الجواب معلق بعنق الكثير من التحديات المعاصرة سياسياً وعسكرياً، إيكولوجياً واقتصادياً، فأنظر ماذا ترى.*كاتب مصري
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على