الثقافة قاب قوسين نون العين والحاجبين
حوالي سنتان فى الإتحاد
لا يمكن الحديث عن أمة، دون التطرق إلى منسوبها الثقافي، ومدى قوة هذا الشلال في بث لواعج الطبيعة وهي تلامس مهج الأخضر اليانع. فعندما تذكر حضارة بلد، فلابد وأن تذكر الثقافة، فاليوم لا يمكن أن نذكر بلداً كاليونان، دون أن نذكر عمالقتها الثلاثة على أقل تقدير «سقراط، وأفلاطون، وأرسطو» ثلاثة الأثافي هم الذين أوقدوا حطب الوعي الإنساني، وهم الذين بدأوا بالمدينة الفاضلة، في كتاب جمهورية أفلاطون، وهم الذين تحدثوا عن المنطق، ودور السياسة في تحديد أولويات العقل البشري، وهم الذين بحثوا عن الحقيقة ليس في الأشياء، وإنما في وعي الإنسان.وبدءاً من هذه السيرة التاريخية، التي انطلقت من أرض الإغريق، وحتى آخر إنسان يعيش على أرض البسيطة، ستبقى الثقافة السلطة المهيمنة على علاقة البشر بالحياة، وكما على علاقتهم ببعض، لأن في الثقافة أكسير نجاة، كما أن فيها، رصاصة الموت، ونحن الذين نختار، ونحن الذين نملك الخبر فيها، كما نملك الشر.ومنذ أن توارى دور الثقافة، واصطفت عند هامش الحياة، وصارت مثل جندي مهزوم، أصبح العالم يتقاتل على ذرة رمل، أو حبة قمح، ومن دون وعي بأن ما في باطن الأرض، وما على سطحها يكفي لأن يملأ بطون المليارات من البشر، ومن الحاجة إلى طلقة طائشة، أو مقصودة، لأن الثقافة الحقيقية، تعني الاستغناء عن الضغط على زناد الموت، والاتكاء على أريكة التضامن، وفي غرف التضامن هناك تكمن الحقيقة، وهي أننا أبناء الأرض، وهي أمنا، وعلينا التعاضد، ومد الأيدي للمصافحة، لا لتضييق الخناق.الثقافة الحقيقية تعلمنا كيف نعيش، لا كيف نذهب للقبر. الثقافة الحقيقية تفتح لنا أفق الحب، وتغلق أبواب الكراهية. الثقافة الحقيقية تعني أن نمضي في الحياة، وكأنما العالم طفل صغير، يبحث عن ابتسامة أمه، كي ينام قرير العين هانئاً، الثقافة تعني أن الحياة ليست إلا أغنية، على الإنسان أن يجيد تأديتها، كي تصبح أنشودة الزمان. الثقافة الحقيقية، هي أن يعي الإنسان دوره فيها، كراعٍ للكون كما قال لنا الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر.الإمارات نجحت في التواصل مع العالم، لأنها حملت وهي في طريقها إلى هذا العالم، ما جاش في وجدان المؤسس الباني المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من قصيدة الأحلام واسعة الظلال، وهذه هي سجية العظماء الذين يرسمون خريطة الطريق الثقافية، لينهل من بعده الأبناء والأحفاد.فالثقافة ليست ترفاً، بقدر ما هي هم إنساني مبعثه الوعي بأهميتها في ترتيب مشاعر الناس، وتهذيب أفكارهم، وتشذيب معانيهم، ليصبحوا في العالم منارة، وقيثارة، وليصبح الوطن أغنية يعلو شدوها ليصل إلى الغيمة فتشيح طرباً، حتى تهمل عيونها مطراً زلالاً.الثقافة، في فكر المخلصين، هي جسر للوصول، وليس مكاناً للتوقف، هي التقدم نحو النهر، بهدف رؤية الماء كيف يتسرب في عروق الشجر.الثقافة حلم، وعلم، سجايا، وشفة معطرة بأجمل المعاني، وأكمل المضامين.