"لماذا لم يوقف المخرج "غودار" تصوير المشهد أثناء مرور موكب الرئيس"

١١ شهر فى البلاد

عندما كان المخرج الفرنسي الداهية جان لوك غودار يقوم بتصوير فيلم "اللاهث" كان أحد مشاهد الفيلم يقضي بأن يسير جان بول بلموندو في شارع الشانزليزيه بباريس، وفي يوم التصوير اكتشف غودار أن موكبا يضم الرئيسين ديجول وايزنهاور سيمر في الشارع، ولكنه لم يلغِ التصوير وطلب من بلموندو أن يتصرف بصورة طبيعية، وأثناء تصوير اللقطة مر الموكب بالفعل وأخذ بلموندو يقفز لأعلى؛ حتى يستطيع أن يرى موكب الرئيس الذي تحجبه الجماهير عنه، وقد حرص غودار على الإبقاء على هذا المشهد كما هو بالرغم أنه ليست له أية علاقة بالفيلم، والسبب في ذلك أن الشارع في الواقع مكان يمكن أن تجري فيه أحداث كثيرة جدا ليست لها علاقة بالتركيب الدرامي للفيلم، وإذا ما تجاهلناها تماما، فإننا نخل بالواقع ونزيفه.
ولو كان أديب يكتب المشهد السابق وفي إحدى قصصه وذكر "بلا سبب" أن موكبا مر في الشارع لشعرنا بغرابة هذا التصرف من جانبه، ولتساءلنا عما دعاه لأن يصف شيئا لا يمت بقصتنا بأية علاقة. والسبب في ذلك هو أن اختلاف طبيعة الصورة عن طبيعة الكلمة؛ بمعنى أن الحبكة القصصية في السينما لا يمكن أن تكون بالأحكام نفسها في السينما، ولا يعني هذا الحد من حرية المخرج في رسم حدود وتفاصيل عمله، أي في الاختيار، بل لعل مجال الاختيار لديه كبير جدا، إذ هو إلى جانب اختيار موضوع أحداثه وشخصياته، يختار أماكن التصوير وتأثيرات الإضاءة وزوايا اللقطات، ثم يختار الممثلين الذين سيقومون بالأدوار، ويختار طريقة التمثيل الملائمة، وربما كان عليه لهذا السبب أن يترك متنفسا للواقع، وإلا فإن الحرفية تستغرق الفن وتصبح السينما شيئا مصطنعا.
نتيجة لاختلاف طبيعة الصورة عن طبيعة الكلمة، فإن التشبيهات والصور السينمائية يجب أن تختلف اختلافا شديدا عنها في الأدب، أو بعبارة أخرى، يتعين أن تكون التشبيهات والصور في السينما جزءا لا يتجزأ من الواقع المتضمن في الصورة السينمائية، بينما يمكن في الأدب، بل وهذا ما يحدث دائما، أن تكون التشبيهات والصور بعيدة كل البعد عن الموضوع.
عموما .. أن محاولة السينما للاستفادة من الأدب والاقتباس منه لا يعد خطأ، فالسينما تستفيد كثيرا من اقتباس الأعمال الأدبية إلى الشاشة، على أن تضع في اعتبارها الفارق بين طبيعة الكلمة وطبيعة الصورة، كذلك فإن الحوار في السينما إذا كتب بأسلوب أدبي رفيع، حتى ولو تضمن تشبيهات أدبية، يمكنه أن يخدم الفن السينمائي إفادة كبيرة، خصوصا وأن مستوى الحوار في كثير من الأعمال السينمائية لا يمت إلى الفن بصلة.
يشير الكاتب عبدالرحمن صدقي في مجلة "الهلال" العدد التذكاري بمناسبة مرور 100 سنة سينما عدد يناير 1995 ،" إلى أن إنتاج مثل هذه الأفلام الفنية للأعمال الأدبية يجعلها وافية بالمرام، بل هي تزيد عن ذلك أن الصورة تقوم مقام شرح لها يغني عن كل شرح، وبيان يفضل كل بيان. إن إنتاج السينما للآثار الأدبية يخرج بها من غيابات المكتبات إلى حيث يسلط عليها النور تحقيقا لعرضها على الملايين من مرتادي دور السينما من الجماهير في سائر أقطار العالم، وهذا وحده كاف ليسجل للإنتاج السينمائي للآثار الأدبية، فضلا على الأدب غير منكور.
بينما يؤكد عبدالرحمن الخميسي أن تأليف الرواية عمل فني يختلف عن تأليف السيناريو، وعلى كل أديب يريد أن يعمل في السينما، أن يدرك أن للسينما لغتها الخاصة، وأنه يجب حين يكتب للسينما أن يفكر بالصور لا بالكلمات.

شارك الخبر على