الشباب ومهارات المستقبل
حوالي سنتان فى الإتحاد
لا يخلو سوق العمل في أي مجتمع وخلال أي فترة من فترات التاريخ من الحاجة إلى قوى عاملة تتمتع بقدر مناسب من المهارات الشخصية التي تساعد العاملَ على أداء عمله ومهامه ببراعة وإتقان وإجادة.
فالمهارات هي القدرة على استخدام المعرفة بأسلوب فعال وسهل في التنفيذ والأداء. والملاحظ أن كل حقبة تاريخية من التطور الصناعي تتسم بمجموعة خاصة من المهارات المطلوب أن يتسلح بها المتقدم لشغل وظيفة ما في قطاع معين.
فالقدرات البدنية على سبيل المثال كانت في زمن محدد الأساس في التوظيف، ثم جاء زمن آخر أصبحت المهارات اليدوية والحرفية على قائمة الأولويات. ثم جاءت المهارات العلمية والعقلية، فمهارات استخدام الآلة الطابعة، ثم مهارات الحاسوب وإجادة اللغات الأجنبية، بجانب القدرة على حل المشكلات ومهارات التواصل.
والآن، ومع الثورة الرقمية، أصبحت القيادات والحكومات أكثر وعياً وإدراكاً لمتطلبات سوق العمل في المستقبل من مهارات أساسية تقوم عليها التنمية. ومن هنا، جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لشباب الوطن إلى التسلح بمهارات المستقبل باعتبارها الطريقَ نحو المنافسة وإثبات الذات والمشاركة الفاعلة في نهضة الوطن خلال السنوات المقبلة.
وتتعدد مهارات المستقبل وتختلف باختلاف طبيعة كل مجتمع وموارده الطبيعية والبشرية ورؤية قادته للمستقبل. لكن تتفق غالبية الدراسات على أن مهارات المستقبل تضم على سبيل المثال وليس الحصر محوَ الأمية الرقمية، التفكير النقدي والتحليلي، الذكاء العاطفي، الإِبداع، التعاون، المرونة، مهارات القيادة، إدارة الوقت، حل المشكلات، ومهارات التقنية الحديثة ومثالها مهارات الذكاء الاصطناعي. وبمعنى آخر، فإن مهارات المستقبل هي كفاءات تتيح للأفراد حل المشكلات المعقدة في سياقات العمل بطريقة منظمة ذاتياً وتمكينهم من التصرف بنجاح وفعالية.
وفي الإطار الوطني، فإن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة قد اتخذت بالفعل خطواتٍ كبيرةً لتزويد جيل الشاب بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل وتحقيق الأهداف الأساسية لرؤيتها 2021 ومئوية 2071. وفي اعتقادي أيضاً، أن الأمر لا يجب أن يقع بكامله على عاتق الحكومة، بل هناك جهات أخرى تقع عليها مسؤولية الإسهام في إعداد جيل الشباب والأجيال القادمة للتزود بمهارات المستقبل. وأولى تلك الجهات هي مؤسسات التعليم العالي والتي تعتبر الجسر إلى سوق العمل. فتلك المؤسسات يجب أن تقوم بدورها في إجراء الدراسات والبحوث الاستشرافية التي تحلل اتجاهات سوق العمل في المستقبل واحتياجات القطاعين الحكومي والخاص من المهارات والكفاءات. وبناءً على نتائج تلك الدراسات، تقوم مؤسسات التعليم العالي بتصميم المناهج المناسبة ودمج مهارات المستقبل فيها لكي يتمكن الخريج من الحصول على الوظيفة المناسبة في أسرع وقت ممكن.
وثاني الجهات التي يقع عليها عبء دعم الجهد الحكومي في تزويد جيل الشباب بمهارات المستقبل هي القطاع الخاص. فالشركات وما يماثلها يجب أن تقوم بدورها في تأهيل وإعداد جيل الشباب بالمهارات المطلوبة، والتي لم تتمكن مؤسسات التعليم العالي من تسليح الخريج بها. وثالثة الجهات هي الأسرة التي يجب عليها أن تعي أهميةَ تزويد أبنائها بمهارات المستقبل وتقوم بتشجيعهم على التزود بها لخدمة الوطن.
*باحث إماراتي