عالم.. يخص المرء وحده

over 2 years in الإتحاد

أذكر جيداً أني كنت أكثر إلحاحاً من شقيقتي للحصول على غرفة منفردة، وقد سبق ذاك سنوات إصراري على أن تنفصل شقيقتانا الصغيرتان في غرفة مستقلة رغم معارضة أمي أن نبقى الأربع سوياً، لتبدأ رحلة استقلالي التدرجي استجابة لرغبة ملحة في نفسي ولنفسي. بدأت رحلتي تلك ومازلت في سعيي المستمر للانفصال دون تدبير مسبق، وإنما برغبة وكأنها فطرية بأن يكون لي مكاني الخاص.. غرفة منفصلة ومن ثم بيت منفصل. وذلك رغم أني لم أكن قد قرأت ما قالته فرجينيا وولف «إذا أرادت امرأة الكتابة عليها أن تمتلك غرفة تخصها وحدها.. وبعض المال!» في كتابها «غرفة تخص المرء وحده». الحقيقة أنه لم يتم التجاوب مع محاولاتي، ولذا حصلت على الغرفة المنفصلة بعد سنوات من العمل، أما البيت فاكتفيت بأن يكون موجوداً ولكن دون إقامة فعلية فيه! ومع الوقت حصلت على حق شرعي في الاستقلال بسبب وعي وثقة الشخص الذي اخترته بإرادتي ليكون شريكي.أتطلع اليوم إلى تلك الرغبة المبكرة بتقدير كبير وامتنان لجرأتي السابقة -التي بالتأكيد أزعجت كثيرين وتسببت في قلقهم- فلولاها لما تمكنت من الكتابة في هذه المساحة الآن. لا أعلم أيهما الأسبق، تلك الرغبة في الاستقلال المكاني والمادي أم الرغبة في الاستقلال المعنوي والفكري، وإن كان كلا النوعين يؤدي إلى الآخر بكل تأكيد. تأكدت دوماً أن الخصوصية المتحققة تتيح الفرصة لاستكشاف النفس بأفكارها ومشاعرها دون التأثر برأي الآخرين وتصنيفاتهم، فيتعمق الإنسان في نفسه ويتعرف على مخيلته ويحصل على فرصة اختبار كل ما هو حوله دون وجل من الأحكام حوله، مما يعزز من عملية الإبداع والإنتاج، وليس أي إنتاج، إنما إنتاج أصلي وأصيل.كالغرفة الخاصة أيضاً هناك البيئة الخاصة بكل معطياتها التي لا يشاركك فيها أحد مهما بدا غير ذلك. فيها تكون غير عابئ برضى أو سخط من حوله. هذه النوعية من البيئات التي يبدو فيها أفق التفكير بلا حدود، ومحفزات النقد غير متناهية، وفرص التأمل مثيرة وعديدة، بيئات محفزة للتفكير والنقد والإنتاج، وهي حاجة مهمة جداً غير أنها نادرة جداً، وتستلزم تضحيات كبيرة تفوق تداعياتها آثار الإلحاح في الحصول على غرف خاصة! ولكن هذا لا يعني استحالة ذلك، فالإصرار والتمسك بالفكرة كفيل بتحقيق ذلك.

Mentioned in this news
Share it on