مكافحة الإرهاب تبدأ من طنطا وليس شرم الشيخ

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

"طب والنبي كلامها حلو"... هكذا علقت السيدة الريفية التي تجلس بجواري في ساحة السيد البدوي بطنطا تعليقا على قراءة المترجم لقصيدة الشاعرة المكسيكية "سيارا نونينو" وهي نفس السيدة التي كانت تحث الجالسات بجوارها على الصمت أثناء قراءة الشاعرة لقصيدتها باللغة الإنجليزية التي لم تفهم منها شيئا، لكنها طالبتهم بالصمت احتراما 
"للست الضيفة اللي جاتلنا من آخر الدنيا".

لحظتها أيقنت أننا عرفنا الإجابة عن أسئلة كثيرة.

كنت يوم الجمعة الماضي مدعوة من صديقي وزميلي الشاعر ومقدم البرامج الثقافية المرموق محمود شرف لحضور افتتاح مهرجان الشعر الدولي الذي يقيمه بالاشتراك مع مجموعة من مثقفي الغربية للعام الثالث على التوالي، وكنت قد سمعت عن المهرجان في العامين السابقين من أصدقاء مثقفين، بعضهم من غير المصريين وبعضم يعيش في أوروبا ولكنه يحرص على القدوم إلى مدينة طنطا بشكل سنوي لحضور المهرجان، 
وبعضهم يأتي على نفقته الخاصة، وانبهرت بفكرة بدت أقرب إلى حلم.... شعراء من القارات الخمس يأتون إلى قلب الدلتا وينشدون أشعارهم في الساحات والمقاهي ومراكز الشباب والمدارس والجامعات بلغاتهم مصحوبة بترجمة إلى اللغة العربية، الفكرة موجودة في دول كثيرة وأشهرها بالطبع مهرجان "لوديف" في فرنسا الذي يقام في مدينة لوديف بشراكة مع اليونسكو، كما أن فكرة انتقال الثقافة إلى الناس في المدن البعيدة والقرى هي أيضا حلم أقدم من حلم صلاح جاهين بأوبرا على كل ترعة وتماثيل رخام، 
وهي فكرة نفذتها فرق مسرحية منذ عرفت مصر المسرح، لكني لم أتخيل أن يجتمع الناس بهذا الشكل للاستماع لقصائد شعرية، بعضها بلغات أخرى غير العربية، حتى رأيت بنفسي المشهد في ساحة السيد البدوي واستمعت إلى تعليقات سيدات ريفيات  معظمهن ربما لا يعرفن القراءة والكتابة، لحظتها تأكدت أن الخطأ لم يكن أبدا في الناس، لكنه كان دوما خطأ من تعالوا عليهم وعزلوا أنفسهم عنهم.

لأسباب عائلية أمر على مدن مثل طنطا ودسوق عدة مرات في العام الواحد منذ نحو خمسة عشر عاما، بسهولة كان يمكن رصد التغير الذي طرأ على المجتمع في ريف كان التسامح هو سمته الرئيسية، فقد بدا واضحا تزايد نمط معين من الذقون واستبدال ما يطلق عليه "الإسدال" بالملابس الريفية للسيدات والفتيات بشكل متزايد. 
أتذكر قبل سنوات أنني دخلت لإحدى الصيدليات في مدينة دسوق لأصادف حوارا في منتصفه بين سيدة أربعينية ريفية السمت وإن كانت ترتدي خمارا يتجاوز خصرها وبين الصيدلي، كانت تقول له إنه تصرف بشكل صحيح وتطلب منه "إنه يكمل ويشيل الرف ده" لأنها سمعت الشيخ في "قناة الناس" بيقول إنه حرام، ومددت بصري إلى حيث تشير لأجد رف مزيلات العرق والكولونيا!

هل علينا أن نلوم أهلنا بعد أن تركناهم نهبًا لأفكار التطرف؟ هل علينا أن نتساءل لماذا أصبحت الوجوه أكثر جهامة والصدور أكثر ضيقا في وادينا الطيب؟

أظن أن تجربة انتقال الثقافة إلى الناس في أماكنهم وتقديم العروض وقراءة الشعر في الساحات ومراكز الشباب والمقاهي تجربة ملهمة، بالطبع لا يخلو الأمر من ردود أفعال تبدو كوميدية أحيانا، لكن ما لم يفارقني بعد حضور الأمسية هو صورة طفل يجلس على حجر والده في الأمسية، مؤكد أنه لم يفهم ما سمعه، لكن المؤكد أيضا أن شيئا ما سيبقى من هذه الأمسية في عقله الصغير وقد يغير مصيره.

أتمنى أن يكون في كل محافظة مهرجان مثل مهرجان طنطا وأن يتجول في القرى والنجوع، ربما كان ذلك أهم خطوة في مكافحة الإرهاب وأتمنى أن تقدم الدولة دعما لائقا لمثل هذه الأنشطة، فالجنيه الذي تنفقه في دعم الثقافة ليس فقط استثمارا في المستقبل، لكنه حائط صد ودرع أمان، وهنا أطرح مع المايسترو هشام جبر، سؤالا كتبه على فيسبوك قبل شهور: ترون أن الثقافة مكلفة؟ ما رأيكم إذن في تكلفة غياب الثقافة؟

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على