الإنسان.. أكرمه اللهُ وفضّله
about 2 years in الإتحاد
يطرح البروفسور كفين لالند، أستاذ علم السلوك والتطور الاجتماعي في جامعة سان اندروز ومؤلف كتاب «السيمفونية غير المكتملة لداروين»، السؤالَ المثير التالي: «ما هو تفسير نجاح الإنسانية في العلوم والتقنيات الإلكترونية الحديثة؟». ويلاحظ البروفسور لالند أن كثيراً من الحيوانات تستخدم الآلة أيضاً، كما تطلق إشارات ذات معنى، وتقلّد بعضها بعضاً. كما يلاحظ أن بعض الحيوانات يحتفظ بذكريات عن الماضي، وبعضها يختار نوعاً معيناً ومفضلاً من الطعام، وبعضها يغني ويشعر بالطرب والمرح.
إن سلوكاً من هذا النوع يشبه إلى حد ما السلوك الإنساني في بعض الأوجه والصفات. غير أن الإنسان، كما يلاحظ لالند أيضاً، يعيش في مجتمعات معقدة ومنظمة، معنوية واجتماعية. وباعتماد كبير ومتزايد في حياته على التقنيات التي تتطور باستمرار. لقد اخترع الإنسان الآلةَ من الطائرة الضخمة إلى الشريحة الإلكترونية الصغيرة التي تحمل كماً هائلا من المعلومات. كما اكتشف اللقاحات ضد العديد من الأمراض والأوبئة، وكتب في الآداب والفنون، وعزف الموسيقى ورسم اللوحات. بدأ الإنسان هذه الأنشطة وهو ما يزال يعيش في الكهوف.
وبعد أن يقارن البروفسور لالند بين محدودية الإنجازات في عالم الحيوان وتوسعها في عالم الإنسان، يتساءل: «لماذا حدث ذلك؟ ولماذا حقق الإنسان كل هذه القفزات الواسعة في التقدم والتطور والرقي، بينما بقيَّ الحيوانُ حيث هو؟». يشكل هذا السؤال قاعدة يقوم عليها كتاب لالند المثير للجدل حول «سيمفونية داروين غير المكتملة».
ويرى الدكتور لالند أن المواصفات الاستثنائية الخاصة بالإنسان، كالذكاء واللغة والتعاون وإنتاج التقنيات واستخدامها.. لم تتطور استجابةً لظروف خارجية، بل تطورت لأن الإنسان هو صنيعة نفسه من خلال العقل الذي خلقه الله فيه. وعقل الإنسان لم يتكوّن من أجل الثقافة والمعرفة فقط، وإنما تكوّن أيضاً بالثقافة والمعرفة. وهنا نستذكر قول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حول العقل، إذ يقول:«ربِّ مَن أعطيتَه العقل ماذا حرمته؟ ومَن حرمتَه العقلَ ماذا أعطيتَه؟».
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن ثمة علاقة قوية ومباشرة بين التعقيدات السلوكية للإنسان وحجم الدماغ. فأصحاب الأدمغة الكبيرة من الحيوانات يخترعون سلوكيات جديدة، ويقلدون اكتشافات الآخرين ويستخدمون الأدوات أكثر من أصحاب الأدمغة الصغيرة.
لكن ما كان للغوريلا أن تخترع الفيسبوك مثلاً، وما كان للقردة أن تطلق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء.. ذلك أنه لا يكفي لتحقيق مثل هذه الإنجازات العلمية ذكاءً ثقافياً، وإنما كذلك تراكماً من المعارف بحيث تتجمّع العلوم والتجارب والمتغيرات مع الوقت، وهو أمر يحتاج إلى تداول المعلومات بدرجة عالية من الدقة لا يستطيع أن يفعلها سوى الإنسان. وفي هذا مظهر من مظاهر تفضيل الله للإنسان على كثير ممن خلق تفضيلا!
إن التزاوج بين التراكم الثقافي والمعرفي وبين التعليم، ينتج أجيالاً متطورة، وينعكس في حجم الدماغ. وفي اعتقاد البروفسور لالند أن هذه العملية استغرقت 2.5 مليون سنة من التطور. وهو تطور كان لا بد منه حتى يبلغ الإنسانُ المستوى الإدراكي الذي يؤهله لتلقي رسالات الله ولإدراك موقعه ودوره خليفةً لله في الكون.
*كاتب لبناني