مسرحية "السيد والعبد".. احتكاك نمطي بإيقاع جميل وبتنسيق الحركة وتجزئتها

١٢ شهر فى البلاد

الجمهور دائما عامل ضروري ومهم جدا قبل كل عمل للمخرج، بل حتى أثناء خلق المؤلف الدرامي، وهذا ما يقوله الناقد فيليبور جايجورتش عندما تكلم عن أهمية هذا العامل في مؤلفات كاتب مسرحي يوغسلافي مثل نوشيش، يقول: :"إن نوشيش يراعي باهتمام بالغ المواقف التي تترك أكبر الأثر في الجمهور وتجعله أكثر مرحا، الجمهور القريب من وجهه نظره وآرائه. لقد رأى نوشيش أن ما يجذب هذا الجمهور إلى الكوميديا هو التعقيد السهل البارع، العمل المثير للضحك الفعال الذي لا يتميز بروح الرقة أو التنوع الخفيف، بل الذي ينبغي أن يكون صريحا مباشرا صارخا. كذلك رأى أن ما يجذبه في الدراما، الانفعالات الأكثر دويا، الأكثر ضجة، الأكثر مسرحة.. الأكثر حدة في تكويم أو تركيز أكبر قدرة من الحساسية الشعورية.
الفنان والمخرج خالد الرويعي قدم لنا قبل أيام على خشبة صالة البحرين الثقافية مسرحية "السيد والعبد"، وهي نص مسرحي شعري منقوش على الألواح الحجرية يعود إلى العام 1200 قبل الميلاد، وطرح الرويعي من خلال العرض مراوغة العبد لسيده ونفاقه له، حيث يؤيد العبد ما يريده سيده ويرفض ما يعزف عنه.
الجمهور صعد فوق خشبة المسرح وتحلق حول مساحة مستطيلة يراقب ويتابع حركات الممثلين أحمد سعيد، وصالح الدرازي، فالرويعي فضل ألا يكون الجمهور في الصالة، بل قريبا جدا من الممثل لتكون المراقبة دقيقة، ويحس ما يحس به الممثل من خوف أو فرح، على اعتبار أن الجلوس على الكراسي الوثيرة في الصالة قد تضعف تركيز المتفرج على الحدث المسرحي ويقلل من تأثيره الذاتي.
الرويعي كان ذكيا كعادته في رسم الشخصية بالحدث، والحوار، والسرد، والتحليل والتعليق، ورغم أنه توارى عن العيان، إلا أنه أفسح المجال للشخوص لتفصح عما بداخلها من هاجس، وحس وفكر من ثنايا الحوار.
مع نزول الظلام إيذانا ببدء العرض، تأتي إلى الآذان موسيقى خفيفة أبرز ما فيها نغمات وأصوات متداخلة ووتريات تعلو وتعلو حتى تمتزج بضجيج، وتستمر حالة الاستماع حتى يملأ النور الدائرة لنرى السيد والعبد في حالة احتكاك نمطي يعبر عن خضوع الإنسان البائس للإنسان القوي، وكل ذلك حدث أمامنا كجمهور بإيقاع جميل رائع وبتنسيق الحركة وتجزئتها وصبها في قالب تشكيلي مبهر.
السينوغرافيا كانت سر العمل وجعلتنا ندور مع العرض في فلك لا حدود له، وكأن الرويعي أصبح عالما منصرفا إلى صنع المعجزة ويمتلك من الخيال ليحاكي كل شيء في الطبيعة، كيف لا وهو يعتبر الحياة هي المسرح. 
 

شارك الخبر على