بيتر.. ومهمة الخمسين عاماً

حوالي سنتان فى الإتحاد

عندما وصل بيتر هيلير الإمارات اعتقد أنه سينجز مهمته سريعاً قبل أن يعود أدراجه، فقد جاء لإنجاز فيلم وثائقي عن المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولم يكن يعلم أن المهمة ستطول في أرض عشقها واختارها وطناً بعد أن أسره «حكيم العرب» بكريم رعايته وحسن وفادته، لتمتد المهمة لنحو خمسين عاماً أثرى خلالها مسيرة الإمارات الإعلامية والثقافية، ورفد تاريخها باكتشافات أثرية قيمة، كما أسهم مع صديق بريطاني، هو الراحل سيمون اسبينال، في جعل أبوظبي وجزرها إحدى الوجهات المفضلة لعشاق مراقبة الطيور وهجراتها. في الكرفانات المتناثرة على الساحة المقابلة لنادي الجزيرة بأبوظبي، كانت تقبع مكاتب جريدة «الاتحاد» سبعينيات القرن الماضي، بعد أن انتقلت إليها من شقق بأحد طوابق بناية مطلة على المسجد الكبير بشارع المطار القديم (الشيخ راشد بن سعيد حالياً)، وفي قاعة علوية مسبقة التجهيز بأحد تلك الكرفانات كانت توجد مكاتب «أخبار الإمارات» الصحيفة الشقيقة لجريدتنا، والتي كانت تصدر باللغة الإنجليزية وتولى إدارة تحريرها بيتر هيلير خلفاً لمحمد عمر الخضر، وحيث تعرفت عليه لأول مرة مع مساعده الأميركي دوجلاس واتسون ومترجميه من السودان الشقيق محمد حسن وعثمان عووضة. كان العمل معه ممتعاً وأضاف لقدراتي للكتابة باللغة الإنجليزية الكثير، كما كان حريصاً على تضمين الصحيفة مقالاتي مترجمة، نقلاً عن «الاتحاد»، قبل أن ينتقل للعمل مستشاراً في المجلس الوطني للإعلام مع الراحل إبراهيم العابد، رحمه الله، وشاركه تأسيس القسم الإنجليزي لوكالة أنباء الإمارات ومن بعد وزارة الثقافة. ومن بين سحب دخان غليونه في مكتبه، تابعت ثمار شغفه بتاريخ الإمارات وهو يطلعني على نماذج من مكتشفاته الأثرية، شغف تبلور مع تأسيسه بدعم الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، رحمه الله، ومن بعد معالي الشيخ نهيان بن مبارك، لجمعية التاريخ الطبيعي وهيئة المسح الأثري لجزر أبوظبي. وشارك في التنقيب عن الآثار في جزيرة صير بني ياس، حيث تم اكتشاف دير يبلغ عمره 1400 سنة، ويعد أحد أقدم المكتشفات الأثرية المسيحية في المنطقة، و«يتجلى تفاني بيتر وإخلاصه لهذه الأرض وأهلها، بالتزامه بحماية البيئة والتاريخ في الدولة»، بحسب جائزة أبوظبي التي كرمته في دورتها عام 2013.رحم الله بيتر هيلير الذي وافته المنية مساء أمس الأول في أبوظبي التي عشقها ووُري ثراها الطاهر بالأمس، تعازينا لأسرته الصغيرة ومحبيه في كل مكان.

شارك الخبر على