هل تكون ثورة الذكاء الاصطناعي فقاعة "الدوت كوم" الجديدة؟

١١ شهر فى البلاد

أنعشت تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي أسهم شركات التكنولوجيا خلال عام 2023، حيث عاد اللون الأخضر ليطغى على مؤشرات تلك الأسهم، بعد تسجيلها تراجعات حادة في عام 2022.

وتأتي مكاسب أسهم شركات التكنولوجيا، وسط حالة من الحماس بين أوساط المستثمرين، الذين كثفوا في الآونة الأخيرة استثماراتهم في هذه الأسهم، وذلك لسبب واحد فقط وهو "الذكاء الاصطناعي التوليدي".

فمنذ أن أطلقت شركة "أوبن إيه آي" برنامج "تشات جي.بي.تي" المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ومسارعة شركات كبيرة مثل مايكروسوفت وألفابت، على ضخ استثمارات طائلة بهذه التكنولوجيا الواعدة، تحولت تدفقات المستثمرين نحو أسهم التكنولوجيا.

وبلغة الأرقام، فإنه من المتوقع أن تنمو صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي، من سوق حجمها 40 مليار دولار في عام 2022 إلى سوق بقيمة 1.3 تريليون دولار في عام 2032، وذلك بحسب "بلومبرغ إنتلجنس".

اتجاه على صناديق التكنولوجيا

وتماشياً مع الطفرة المتوقعة في سوق "الذكاء الاصطناعي التوليدي"، كان المستثمرون يتجهون بأموالهم نحو أسهم التكنولوجيا، ووفقاً لشركة PitchBook للأبحاث، فقد استثمر هؤلاء أكثر من 11 مليار دولار في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في شهر مايو 2023، بزيادة قدرها 86 بالمئة مقارنة بشهر مايو 2022، في حين شهد الأسبوع الأول من يونيو 2023، تدفق 8.5 مليار دولار على الصناديق المتخصصة في الاستثمار بأسهم التكنولوجيا وهو رقم قياسي يسجل في هذا المجال.

ويعتبر تهافت المستثمرين على أسهم التكنولوجيا، مسؤولاً عن إضافة شركات مثل إنفيديا ومايكروسوفت وألفابت وأبل وأمازون وميتا، نحو 3.1 تريليون دولار لقيمتها السوقية منذ بداية العام 2023 وحتى الآن، حيث باتت هيمنة أسهم التكنولوجيا واضحة في وول ستريت، وهذا ما أظهره مؤشر "ناسداك" الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا، والذي ارتفع بواقع 27 بالمئة منذ بداية 2023.

وكان تحوّل أسهم شركات التكنولوجيا إلى سوق صاعدة، من جراء تكثيف المستثمرين لاستثماراتهم في هذا المجال، قد أعاد إلى الأذهان سيناريو "فقاعة الدوت كوم"، وسط تزايد القلق بين أوساط بعض المراقبين، من أن ما يحصل حالياً لن يمر مرور الكرام، داعين المستثمرين إلى توخي الحذر من الفقاعة التي تلوح في الأفق.

ما هي الفقاعة في أسواق الأسهم؟

تحدث الفقاعة حينما ترتفع أسعار الأصول ومنها الأسهم، على مدار فترة زمنية بشكل كبير بما يتجاوز قيمتها الحقيقية بكثير، وفي نهاية تلك الفقاعة تتراجع أسعار تلك الأصول، بنسبة كبيرة جداً وبسرعة كبيرة أيضاً.

ويشير مصطلح "فقاعة الدوت كوم"، إلى الفترة التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في قيمة أسهم الشركات الناشطة في مجال الإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية، وأدى ذلك الى نمو هائل في قيمة مؤشر ناسداك.

متى نشأت فقاعة الدوت كوم؟

ونشأت فقاعة الدوت كوم، المعروفة أيضاً باسم فقاعة الإنترنت، بين عامي 1995 و2000، حيث نمت وبشكل هائل قيمة مؤشر ناسداك الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا وذلك من أقل من 1000 نقطة في عام 1995 إلى أكثر من 5000 نقطة في عام 2000، لتنفجر الفقاعة بين عامي 2001 و2002 ولتصل قيمة المؤشر إلى 1139 في 4 أكتوبر 2002.

فعلى مدار 5 سنوات ضخ المستثمرون أموالهم في شركات الإنترنت الناشئة، على أمل أن تصبح مربحة ذات يوم، ولكن مع مرور الزمن قام العديد من هؤلاء، بتسييل أسهمهم في تلك الشركات خوفاً من عدم القدرة على الاستفادة من الاستخدام المتزايد للإنترنت، ومع بدء نضوب رأس المال الاستثماري، أصبحت شركات الدوت كوم عديمة القيمة في غضون أشهر.

ثلاث عناصر غير متوفرة

يقول عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى الاقتصادي العالمي الدكتور ألفرد رياشي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تشبيه ما يحصل حالياً بالنسبة لأسهم شركات التكنولوجيا، بما حصل سابقاً هو أمر غير واقعي، فعندما نتطلع إلى "فقاعة الدوت كوم" نجد أن ما حدث، كانت مزيجاً من وجود الاستثمار القائم على المضاربة، ووفرة تمويل رأس المال الاستثماري للشركات الناشئة، إضافة إلى فشل شركات الإنترنت في جني الأرباح، بسبب عدم وجود قيمة اقتصادية فعلية، للاختراقات التقنية التي تم تحقيقها في ذلك الوقت، مشيراً إلى أن هذه العناصر الثلاث غير متوفرة الآن في السوق.

لا وجود للتمويل الرخيص

ويشرح رياشي أنه حالياً لا وجود لما يُعرف بـ"التمويل الرخيص"، الذي يؤدي إلى ظهور فقاعات اقتصادية، فتشديد البنوك المركزية العالمية لسياساتها النقدية في معركتها ضد التضخم، من خلال رفع نسب الفائدة، ألغى عنصر "التمويل الرخيص"، الذي يساهم عادة في ظهور الفقاعات عبر تأمين وفرة في تمويل رأس المال الاستثماري، ما يغذي الاستثمار القائم على المضاربة.

وأشار أيضاً الى أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، لها قيمة اقتصادية فعلية، وستساهم في إحداث تغيير جذري للطريقة التي تعمل بها عدة قطاعات صناعية واقتصادية، حيث ستثبت السنوات المقبلة أنها ليست كـ "فقاعة الدوت كوم".

وبحسب رياشي فإن الفقاعات الكبيرة التي حدثت في الماضي، تسببت بتداعيات كارثية على الأسواق والنظام المالي بأكمله، أما في الوقت الحالي فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يحظى بقدر كبير من التمويل والاستثمار، ولكنه لا يهيمن على كل الأموال المتاحة في السوق، ولذلك ولو افترضنا أن هذه التكنولوجيا، أثبتت أنها غير مجدية على الصعيد الصناعي والاستثماري، فإن الهبوط الذي سيحدث في السوق حالياً سيكون محدوداً، ولا يرتقي إلى مستوى فقاعة.

وبحسب رياشي فإن أسهم التكنولوجيا لديها فرصة حقيقية للنمو، لكن القلق بشأن فقاعة تكنولوجية أخرى يعدّ مسألة بعيدة للغاية، مشدداً في الوقت عينه على أن هذا لا يعني أن أي شركة عاملة في الذكاء الاصطناعي ستصبح فائزة، بل ستكون هناك شركات ناجحة في هذا المجال من الممكن الاستثمار بها.

فورة غير طبيعية

من جهته يقول خبير الأسواق المالية والاستثمار محمد علي ياسين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفورة التي نراها اليوم في مجال تدفق الاستثمارات، إلى شركات ما يسمى بالذكاء الاصطناعي فيها الكثير من المغالاة، مشيراً إلى وجود مخاوف من أن نكون في مرحلة تكوين فقاعة بهذا المجال، نتيجة عملية الإفراط في التفاؤل بتقييمات هذه الشركات، والتغييرات التي سيحدثها توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضمن منظومة هذه الشركات.

ويرى ياسين أن ما يحدث حالياً بالنسبة لأسهم التكنولوجيا، هو بمثابة فورة غير طبيعية وتقييم غير طبيعي، لافتاً الى أن عدداً من المراقبين، يقارنون أحداث اليوم بفقاعة الدوت كوم، وبالتالي فإن "تذكر" البعض لما حدث سابقاً، يجعلنا نعتقد أنه ليس من المفروض أن نصل لنفس المرحلة السابقة.

وبحسب ياسين فإن هناك مبالغة في ردات الفعل، على كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وسط صخب إعلامي يعزز هذا الاتجاه، مشيراً الى أن بعض الشركات باتت تتعمد ذكر كلمة الذكاء الاصطناعي، عند الإعلان عن أرباحها لرفع قيمة أسهمها، إذ تحول هذا الأمر إلى سياسة تسويقة ناجحة، في الوقت الذي لا أحد يعلم حقيقة ما إذا كانت هذه الشركات، تقوم فعلاً بتبني أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالها، أو الصناعة المرتبطة بها، إذ قد يكون الكثير مما نسمعه في هذا المجال، مجرد ضجيج لزيادة حماس المستثمرين.

وأكد ياسين أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي هي فعلاً بمثابة ثورة، وسيكون لها دور كبير، مشيراً الى أن المشكلة هي في دور الأسواق المالية، وبعض بيوت التحليل التي تقوم بتحليل آثار هذه التكنولوجيا، على أداء الشركات والتي تصدر تقارير متفائلة جداً، بما يمكن أن تمثله هذه التقنية، إضافة إلى التحدث عن نسب نمو، وتوقعات أرباح خيالية قد لا تتحقق، داعياً إلى الحذر من عملية الاستثمار في هذا المجال نظراً لوجود مخاطر كبيرة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على