أطلس الدماغ

تقريبا سنة واحدة فى الإتحاد

في عام 1822 ولد عالم الهندسة الوراثية الأشهر جريجور مندل، وفي عام 2022 احتفل المجتمع العلمي في العالم بمرور (200) سنة على ميلاد العالم الكبير. كان يمكن للراهب الزاهد «مندل» أن يكون متدينًا عاديًا كغيره من آلاف الرهبان في ذلك الوقت، وكان يمكن لعمله في حديقة الدير أن يكون مجرد عمل اعتيادي يجمع بين المشقة والمتعة.. من دون مزيد. ولكن ذلك الراهب الذي قضى سنوات في زراعة الحديقة أواسط القرن التاسع عشر قد أصبح واحدًا من الشخصيات الرئيسة في تاريخ العلم. لم يكن العالم وقتها يعرف الجينات، ولكن مندل - وعلى الرغم من ذلك - كان هو العالم الذي صاغ علم الوراثة.
تساءل مندل: ما الذي سيحدث لو أننا قمنا بعمليات تهجين للعيّنات والسلالات الزراعية؟.. ولقد أجاب على ذلك بالبدء بإجراء تجارب عملية لهذا التهجين المقترح. حافظ «مندل» على ضمان عدم التلقيح بواسطة الرياح أو الحشرات، وراح يجري عمليات التلقيح يدويًا في نباتات البازلاء الخضراء. وعلى مدى (8) سنوات أنتج عشرة آلاف نبات، ثم راح يؤسس لعلم الوراثة، وذلك عبْر عدد هائل من المعلومات، حيث قام بتصنيف النباتات طبقًا لمعايير عديدة، ورأى أن خصائص معيّنة يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر. كان ذلك فتحًا كبيرًا في حقل الهندسة الوراثية، ولايزال العلم يستخدم مصطلحات عديدة تعود إليه.. أبرزها مصطلحىْ: «سائد» و«متنحّي». تطور ذلك العلم تطورًا مذهلاً، وفي عام 1953 تم اكتشاف الحمض النووي، وبعد (60) عامًا أطلق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما «مبادرة أبحاث الدماغ» المعروفة باسم «برين». ووضع لتلك المبادرة ميزانية ملياريّة تجاوزت الخمسة مليارات دولار.
وحسب تقرير مميّز للنسخة العربية من مجلة نيتشر، فإن المبادرة ستصل إلى ختامها عام 2026، وحينها سيكون لدينا ثروة هائلة من المعلومات في مجالات الاضطرابات النفسية والعصبيّة، وأمراض خطيرة كباركنسون والزهايمر. حسب «نيتشر» فإن دماغ الفأر يحتوي على (70) مليون خليّة عصبيّة، ويحتوي دماغ الإنسان على (86) مليار خليّة عصبيّة، كل خليّة منها مليئة بالمشابك العصبية التي تقوم بعملية الاتصال بين الخلايا، والتي قد تصل إلى الآلاف من المشابك.
ربما يتمكن العلماء في عام 2070 من وضع أطلس كامل للدماغ البشري، ماذا يحتوي؟ وكيف يعمل؟ وكيف يمرض؟ وكيف يفشل؟ وكيف يمكن إنقاذه؟ ذات يوم قال لي الدكتور أحمد زويل: إن علوم الطب في المستقبل سيعمل جزء منها على علاج المرضى، لكن جزءًا آخر سيعمل في مرحلة «ما قبل المرض».. سيكون العمل هنا على مراقبة حركة الخلايا في زمن الفمتو ثانية - وربما الآن الأتوثانية - وما إن تبدأ بالتعطّل أو الانحراف وبدء رحلة بناء المرض، يكون الطب حاضرًا وفاعلاً. ألا تبًّا لمن يعملون في الاتجاه المعاكس، أولئك الذين يهددون الحاضر ويصادرون المستقبل.. يحاول «شياطين العلم» كسْب المعركة ضد العلماء النبلاء، ولحسن الحظ أنهم لم يربحوا حتى اللحظة. سوف تحدد نتائج هذه المعركة.. مستقبل العالم. لا يجب أن نخسر.. الخسارة نهاية، والنصر حياة.
*كاتب مصري

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على