كيف أصبحت مواقع التواصل مستنقعاً لـ«الذئاب المنفردة»؟!

١٢ شهر فى الإتحاد

محمد فال معاويةلم تعد شبكات التواصل الاجتماعي تقتصر على كونها نافذة للتواصل بين الأفراد، وإنما باتت تشكل إحدى أدوات التأثير في صناعة الرأي العام وتشكيله، ومنصة بالغة الخطورة قد توظفها الجماعات الإرهابية أحياناً لنشر أفكارها الهدامة وتجنيد النشء والشباب وغسل أدمغتهم.وفضلاً عن ذلك فقد أصبحت هذه الشبكات مصدراً رئيساً للمعلومة خاصة في أوقات الحروب والأزمات وعند الغموض والارتباك وتفاقم المخاطر، وخصوصاً عندما تتراجع الوظيفة الإخبارية لبعض وسائل الإعلام التقليدية، أو لا تلبي نهم المستخدمين المتصاعد للمتابعة والمشاركة في الأحداث ذات الجاذبية الإعلامية.وقد اكتسبت هذه الشبكات اسمها من كونها تعزز العلاقات بين البشر، وتتيح التواصل لمستخدميها في أي وقت يشاؤون وفي أي مكان من العالم. ومن أشهرها وأكثرها استخداماً مواقع أو منصات «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب».بيئة إعلامية جاذبةولم تعد شبكات التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة ترف عادية، بل أصبحت أداة مؤثرة في صياغة الرأي العام في المجتمعات وأتاحت دخول فاعلين جدد في الساحة الإعلامية، قادرين على التأثير في الرأي العام ومخاطبة الجماهير بلغة قريبة إليهم.وتميزت هذه الشبكات بالحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع إمكانية تجاهل المصدر والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي إلى السعي لتوجيه الرأي العام والحشد عبر مجموعات أو صفحات أو وُسوم، ولم تعد النخبة من قادة الرأي تمارس وحدها دورها المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها، وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة يستخدمها العديد من النشطاء حول العالم لنشر أفكارهم.

التفاعل الآني واللحظيوالسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا غدت شبكات التواصل الاجتماعي أحياناً أكثر قبولاً للرأي العام من الإعلام التقليدي؟ الواقع أن ميزة التفاعل الآني واللحظي مع ما ينشر التي أتاحتها هذه الشبكات جعلتها في موقع الصدارة لدى قطاعات واسعة من الجماهير بخلاف الإعلام التقليدي.فنحن نعيش عصر شبكات التواصل الاجتماعي؛ التي باتت مؤشراً إلى حال التحول السريع في حياة الناس، كما باتت جزءاً حيوياً رئيساً من الطريقة التي يفكرون بها، ويكوّنون مواقفهم، ويتخذون قراراتهم، وصارت بمثابة مدوّنة إرشادية لسلوكهم في كثير من الأحيان.وتعطي هذه الشبكات لمستخدميها فرصاً غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام تقليدية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، ذات صلة بـ«الإنترنت».وفي السنوات الأخيرة برزت تداعيات خطيرة لتلك الشبكات فيما يتعلق بتسهيل ارتكاب الجرائم على الهواء مباشرة، مما دفع معظم دول العالم لتخصيص آليات لمكافحتها، كما تم سن قوانين عديدة لمواجهة التهديدات الناشئة عنها.بوابات إلكترونية إرهابيةوأكدت الدراسات الحديثة، أن 90 % من النشاط الإرهابي على الإنترنت، يحدث من خلال الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي التي تُستخدم لإنشاء منصات تفاعلية تنشر محتوى عنيفاً ومتطرفاً وتستقطب أعضاء جدداً محتملين، وتنتج معلومات كاذبة بهدف التجنيد أو كسب التعاطف.وفي هذا الإطار، قال د. ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامي والسياسي لموقع «الاتحاد»: «إن الحالة المعرفية والوجدانية المؤهلة للتطرف واجتراح العنف والتمييز والكراهية تأتي عبر مصادر كثيرة، ولكن يبدو أن شبكات التواصل الاجتماعي أضحت مصدراً أساسياً بينها».

مفاقمة الحالة «الداعشية»أكدت الدراسات التي أجريت على عشرات المقاتلين الأجانب الذين انضموا لـتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق قبل هزيمته، تم تجنيدهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.وقال د. ياسر عبدالعزيز إن: «البحوث التي أجراها (المركز الدولي لدراسات الحركات الراديكالية)، ومقره بريطانيا تفيد بأن شبكات التواصل الاجتماعي باتت مصدراً أساسياً للتجنيد والإلهام والمعلومات لعدد كبير من الإرهابيين. ونتيجة للدراسات التي أجريت على عشرات المقاتلين الأجانب الذين انضموا لـتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق قبل هزيمته، اتضح أن 80 في المائة منهم تم تجنيدهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي».وأضاف د. ياسر أنه «على مدى سنة كاملة، كرّست مجموعة من الباحثين التابعين للمركز نفسها لمتابعة نشاط نحو 190 من المقاتلين الأجانب في صفوف (داعش) الإرهابي، وتوصلوا إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لعبت الدور الأساسي في مفاقمة الحالة الداعشية».ويقول السير ديفيد أوماند في كتابه «استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي» إن كثيراً من أحداث العنف التي اندلعت في العالم أخيراً، لم تكن لتحدث بذات الاتساع والتأثير لولا استخدام ناشطين لشبكات «التواصل الاجتماعي» في «تأجيج حس العداء والتحريض على الأعمال الراديكالية».وأوضح د. ياسر عبدالعزيز أن «شبكات التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها نحو 88% من مستخدمي شبكة الإنترنت تعطينا المثال الأوضح على إمكانية تحول الفرص الكبيرة إلى مخاطر جمة في بعض الأحيان».

السلبيات والعواروفي مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والعوار؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.وقال د. ياسر عبدالعزيز: لقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً عديدة حين قصرت المسافات، وسهلت الاتصالات، ونقلت الأفكار والصور، وعززت مفاهيم الحداثة، ولكن في مقابل هذه الميزات والفرص الكبيرة ظهرت المخاطر الفادحة؛ ومنها تأجيج النزاعات، والتحريض على العنف، وإشاعة خطاب الكراهية، والخضوع لـ«الميليشيات الإلكترونية» التي تستخدمها كأداة للتعبئة والحشد والاغتيال المعنوي أحياناً.وأضاف أن سن قوانين تتسم بالكفاءة والمحافظة على الحريات الشخصية في آن واحد عمل ضروري يجب أن تقوم به كل دولة، ولكن في المقابل ينبغي أن تُخصص موارد وجهود كبيرة أيضاً لملاحقة الجرائم التي تُرتكب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً ما يتصل منها بدعم الإرهاب والترويج له.تقويض أركان المجتمعاتوبقدر ما تتيح من إيجابيات، أصبحت شبكات التواصل الشبكات الاجتماعية تمثل تحدياً كبيراً فيما يتعلق بالنشء والشباب والمجتمع.وفي هذا السياق، أوضح د. أبوبكر حامدن من المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في حديثه لموقع «الاتحاد»: أن «الحديث عن هذا الموضوع يقتضي في البداية التذكير بأن تلك المنصات متعددة، ومختلفة من حيث الميزات التي تتيحها والأخطار التي تترتب عليها.وأضاف د. أبوبكر: «هناك طيف عريض من منصات التواصل الاجتماعي، تستخدم لأغراض متعددة من التعليم وتبادل المعلومات والتجارب، وعرض المنتجات والخدمات، وصولاً إلى الترفيه.. هذه المنصات لم يعد بالإمكان تجاهلها، ارتباطاً بما تتيح من فرص وما يترتب عليها من تحديات».

خلق «وعي مشوه»أسهمت الدعاية المضللة في العديد من المجالات عبر تلك المنصات إلى خلق «وعي مشوه» حول الكثير من القضايا.وفي هذا الصدد، قال د. أبوبكر حامدن: «كثرة وسائل التواصل الاجتماعي، وتونع أغراضها وتطورها باستمرار، يضع البشرية أمام تحد، فيما يتعلق بالأجيال الصاعدة، حيث يجد الشباب أنفسهم أمام كم هائل من المعلومات، من مصادر متعددة وأحيانا يصعب التأكد من مصداقيتها، الأمر الذي يُحمِّل المجتمع مسؤولية العمل على ترشيد استخدام هذه المنصات، ويفرض على السلطات التنظيمية تكثيف الجهود لضبط محتواها».وأشار إلى أن الدعاية المضللة عبر تلك الشبكات أسهمت في ترسيخ ما يعرف بـ«نظرية المؤامرة» لدى الكثير من الناس، وخاصة في حال الكوارث والأزمات، كما حدث على سبيل المثال بخصوص لقاحات «كورونا».وربط د. أبوبكر بين منصات التواصل الاجتماعي و«الإدمان الإلكتروني» وما يترتب عليه من أرق وعزلة، وما يهدد به من تفكك للروابط الاجتماعية، فضلاً عن خطر انتحال الشخصية وسرقة البيانات، وكلها تهديدات ترتفع مع الاستخدام غير الواعي لهذه الشبكات.ضرب مصالح الدولوعن التحديات التي تخلقها شبكات التواصل الاجتماعي، قال مهندس شبكات ونظم معلوماتية محمد خالد لموقع «الاتحاد» إن: «الحكومات باتت مطالبة بتطوير قدراتها لمواكبة خطورة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وما صارت تشكله من تحدٍّ اجتماعي وأمني كمنصات مفتوحة للجميع قد تستغل في بث الأخبار الكاذبة لضرب مصالح الدول وتحالفاتها، وهو ما يستوجب وقفة حازمة لمواجهة هذا التحدي المتزايد الذي لا يتوقف على الشبكات الاجتماعية، بل يتجاوز ذلك إلى مخاطر الإنترنت بشكل عام وخاصة القرصنة والهجمات السيبرانية التي باتت قادرة على إحداث أضرار قد تفوق أحياناً أضرار الحرب التقليدية».

توصيات الخبراءبهدف حماية المجتمع من خطورة شبكات التواصل الاجتماعي ومكافحة انتشار الشائعات والأخبار المزيفة والحفاظ على الخصوصية والحقوق الشخصية.يوصي الخبراء بما يلي:- الحدّ من عدد الأشخاص الذين يمكنهم رؤية منشوراتكم وصوركم وحصرها مع دائرتكم الاجتماعية المختارة.- تكثيف التوعية من قبل الدولة والأسرة والمدرسة والمجتمع بالطرق الصحيحة والمثلى لاستخدام تلك الشبكات والتحذير من سلبياتها.- تعزيز التعاون بين المؤسسات الدولية المعنية لتبادل الأنظمة والتشريعات التي تحدد الاستخدام الأمثل لتلك المنصات.- التوعية بأهمية التعبير عن الأفكار والآراء الشخصية بحدود الأدب والذوق العام واحترام الآخرين، والتفاعل مع القضايا والأحداث بشكل إيجابي.- وضع ضوابط محددة لاستخدام تلك الشبكات من الناحية الفنية والتقنية بتفعيل قوانين ردع صارمة لما يكتب أو يقال أو ينشر في تلك المنصات.- تشجيع المراكز البحثية المتخصصة على إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات عن مختلف شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها المختلفة على الفرد والمجتمع.- توعية أولياء الأمور بضرورة مراقبة أبنائهم خلال استخدامهم لتلك المنصات وتثقيفهم بطريقة التعامل معها.- حث الجهات التقنية المختصة على توعية الناس بطرق حماية حساباتهم الشخصية من المتطفلين وأصحاب الأغراض المشبوهة.- تضمين المقررات الدراسية فصولاً توعوية عن الاستخدام السليم لتلك الشبكات.
 
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على