بداية مبكرة لمعركةٍ تاريخية
over 2 years in الإتحاد
ثلاثة أسباب على الأقل تجعل الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستُجرى في نوفمبر 2024، إحدى أهم المعارك في تاريخ الولايات المتحدة. الرئيس، الذي سيُنتخب فيها، سيسكن البيت الأبيض في فترةٍ يُتوقع أن يصل فيها التوتر الدولي غير المسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة إلى أعلى مستوياته. وسيكون لسياساته أثر كبير إما في تصاعد هذا التوتر أو تهدئته. السبب الثاني لا يقل أهمية، بل ربما يزيد. فهذه ليست مجرد انتخابات لاختيار رئيس جديد، كونها تُجرى في ظل انقسام مجتمعي لم تعرف الولاياتُ المتحدة مثلَه منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1865. وقد تسهم التفاعلات الانتخابية في تعميق هذا الانقسام، وتنامي خطره على تماسك المجتمع، ومن ثم على قوة الولايات المتحدة وقدراتها.ويزداد هذا الخطر في حالة إعادة إنتاج الصراع الحاد الذي شهدته انتخابات 2020 في صورة أكثر حدةً وعنفاً. ويقودنا ذلك إلى السبب الثالث، وهو ازدياد احتمال أن يكون طرفاها هما نفسهما مَن تنافسا في الانتخابات السابقة. فقد أعلن الرئيس الحالي جو بايدن الأسبوع الماضي قرار إعادة ترشحه، في الوقت الذي تزداد المؤشرات إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري نظراً لتفوقه في مختلف الاستطلاعات على جميع الطامحين للحصول على ترشيح هذا الحزب. وعندما نتأمل مواقف بايدن وترامب، نجد أن الفجوة بينهما اليوم صارت أوسع مما كانت عليه في نوفمبر 2020، وخاصةً بشأن القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل مثل الإجهاض والعبور الجندري وقضايا السياسة الخارجية وفي مقدمتها العلاقة مع روسيا والحرب في أوكرانيا. ولأن القضايا الاجتماعية هي محور الانقسام المجتمعي، يُرجحُ أن تكون مواجهةُ جديدة بين ترامب وبايدن بشأنها أكثر سخونةً من سابقتها. فهي معركةُ ثأرية بالنسبة لترامب، أو قل إن فيها مزيجاً من الانتقام وتأكيد أنه كان على حقٍ عندما ادعى أنه مَن فاز فيها ولكن تزويراً شاب بعض إجراءاتها فحال من دون بقائه في البيت الأبيض!كما أنها ستكون، في المقابل، اختباراً صعباً لبايدن الذي أصر على إعادة الترشح، رغم عوامل حذَّر بعضُ قادة الحزب الديمقراطي من أثرها المحتمل على الناخبين المستقلين. فقد أصبحت لياقته البدنية أقلّ بحكم التقدم في العمر، فضلاً عن الجدل الذي يُثار من وقتٍ لآخر حول حالته الذهنية. وتُضاف إلى ذلك مخاوف من أن تؤول الرئاسةُ إلى نائبته كمالا هاريس إن فاز، ثم جدَّ عليه ظرف طارئ قبل أن يكمل فترتَه، وهي التي يُنتقدُ أداؤها في العامين الماضيين حتى داخل الحزب الديمقراطي نفسه.إنها معركة تاريخية بحق، ولأنها كذلك فقد بدأت مبكراً عن معظم الانتخابات السابقة، بسبب اختلاط تحرك ترامب داخل حزبه حيث ترجح كفته بحملته الانتخابية الأساسية. وهذه حالة نادرة في التاريخ الأميركي، إذ لا تُعرف هوية المرشح من خارج البيت الأبيض عادةً إلا قبل أشهرٍ قليلة من الانتخابات.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية