سلمى الجيوسي.. وداعاً

حوالي سنة فى الإتحاد

رحلت عن العالم، وبقيت في ذاكرة الثقافة العربية، في عقدها المنتمي تشع قلادة جميلة، فضاؤها الكلمة الحرة، والفكر غير التقليدي، إنها الناقدة الكبيرة، والأديبة العربية سلمى الخضراء الجيوسي، التي رحلت مؤخراً، في صمت جميل ينبض بعطاءات أدبية وثقافية مهمة وخالدة، لا تعد ولا تحصى، فمثلها قامة أدبية، كرمت من قبل جوائز أدبية عدة، أهمها جائزة الشيخ زايد للكتاب، تكريماً يليق بها، بما وصلت إليه من ريادة.أسرد هذه القصة عن الراحلة التي حظيت بمعرفتها، قبيل نهاية التسعينيات حين طلبت منا في مجلس إدارة اتحاد كُتاب الإمارات أن نرشح لها بعضاً من القصص لمشروع ترجمتها من خلال مؤسسة «بروتا»، فشخصية مثلها، لم تساوم على ترجمة الأعمال الأدبية الإماراتية ولم تظهر اهتماماً مادياً، بل كان همها وشغفها ترجمة الأعمال الأدبية ترجمة تستشرف بها العالم، وبما وصلت إليه القصة الإماراتية في مراحلها التكونية الأدبية الإبداعية.وبعد أن تحدثنا هاتفياً آنذاك، أرسلت لها القصص المختارة، وإذ بها ترسل إلي بريداً إلكترونياً لا يزال في أرشيفي إلى الآن، تقول فيه: «تحدثت مع القاص عبدالحميد أحمد، فأخبرني، بأنك تكتب القصة القصيرة ولكنك لم تخبرني!» مضيفة: دعنا نصلح ما كاد أن يخرب، وطلبت مني أن أبعث لها قصصي، فترجمت منها قصة «موت العصا» إلى جانب قصة عبدالحميد أحمد «الرجل الذي يخسر جميع أطرافه إذ يزحف إلى البحر»، وبعدها نشر خبر تصنيفها هاتين القصتين إلى ما بعد الحداثة.فكم كانت الراحلة الجيوسي رائعة في بحثها ومثابرتها من أجل إعلاء شأن الأدب العربي حين كانت تدرس في أعرق الجامعات الأميركية، وكانت تحث المؤسسات الثقافية، والكُتاب على ترجمة القص الأدبي إلى لغات مختلفة، في زمن شحت فيه الترجمة، وعملت على استنهاض الثقافة العربية، مغلفة دورها في الإطار الأشمل.وإذ نودع الناقدة الكبيرة، والمترجمة سلمى الجيوسي، نرى العالم الجميل والثري الذي سعت الراحلة لخلقه في كيان الثقافة والمثقف العربي، وندرك أهمية العمل الثقافي والترجمة في بلورة الإرادة، وهي رسالة حضارية ذات قيمة مؤثرة بين شعوب العالم، وإرساء الخطاب الثقافي المؤثر في التواصل والمثابرة الجميلة من أجل إعلاء الأهداف الثقافية الكبيرة التي سعت الراحلة في خلقها، في هذا الفضاء الثقافي الجميل، وكسب رهان التعريف بثقافتها المنحدرة منها، ثقافة عربية أصيلة، ثقافة متجددة تنتظر من يسعى لها في زمن تعددت فيه الرؤى وتجسدت فيه مفاهيم الحياة، وأصبحت فيه لغات العالم تمد جسورها عبر التقنية الحديثة وتبحث عن الإتقان الجيد للترجمة الأدبية.

شارك الخبر على