معركة تطوير الذكاء الاصطناعي
over 2 years in الإتحاد
في الوقت الذي يشتد السباق على تطوير الذكاء الاصطناعي، وتحدث معارك بشأنه آخرها معركتا استخدام «تيك توك» في أميركا، و«تشات جي.بي.تي» في الصين، بدأت معركة جديدة في اتجاه آخر تماماً. فقد أثارت القفزات السريعة في هذا المجال قلقَ عدد غير قليل من العلماء وصانعي التكنولوجيا المتقدمة، فدعوا إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً لمدة ستة أشهر من أجل التوصل إلى قواعد للحكومة الرقمية تضمن استخدامَها في الاتجاه الصحيح لصالح البشرية. ويُنبِّه الداعون لهذه «الهدنة» إلى ما يعتبرونها أخطاراً ستترتب على التسابق من أجل إكساب بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي درجةً من الوعي الذاتي ربما تُمكِّنها من التطور بشكل مستقل عن صانعيها ومُطوِّريها، فتُشّكل خطراً على حياة البشر. ولا يمكن الاستهانة بمثل هذه الدعوة حين يتجاوز عدد المُوقِّعين على بيانٍ يدعو إليها الألفين، بينهم علماء كومبيوتر كبار وأصحاب شركات تكنولوجيا بعضهم معروفون عالمياً مثل إيلون ماسك.لكن المعترضين على الدعوة ليسوا أقل شأناً أو عدداً. ومن هنا أهمية هذه المعركة الجديدة. ويعتمد المعترضون على أن الداعين إلى وقف تطوير الأنظمة الأكثر تقدماً لا يُقدِّمون حُججاً مقنعةً تُبرر تقييد ابتكارات تجعل الحياة أسهل وأسرع، وتساعد الناسَ في أداء أعمالهم، وتفيد في حل الكثير من المشاكل. ويجادلون بأن المُحذرين من أخطار الاستمرار في تطوير هذه الأنظمة يبالغون في توقع مخاطر غير مُحددة، إذ لا يمكنهم وصفها بدقة، ويتبنون نزعةً تشاؤميةً يؤدي تعميمها إلى وقف العمل في كل ما حقَّق ويُحقق، التقدم. وانتقل بعضهم من الدفاع إلى الهجوم، فطالبوا من يخافون ما يعتبرونها مخاطر محتملة أو متخيلة بأن يهتموا بمخاطر حقيقية راهنة تُهدّد العالَم اليوم وليس غداً.وفي المسافة بين القلقين من أخطار مواصلة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، والواثقين في أن منافعها أكثر من أي أخطار محتملة، يلاحظ بعض الخبراء والمراقبين أن هذه المعركة ربما تكون أكبر من خلاف على مصلحة البشر. والمعنى، هنا، أن في مقدمة المعترضين على وقف التطوير لستة أشهر مؤسسات علمية لديها خطط لهذا التطوير، وشركات استثمرت أموالاً ضخمة فيه سعياً للحصول على الأنظمة الأكثر تطوراً. وهناك من يرى أن الشركات التي لم تستطع المنافسة بقوة في هذا المجال استخدمت دوافع نبيلة لدى بعض العلماء لإضفاء صدقية على رغبتها في وقف خطط تطوير لا تستطيع مجاراتها.غير أن هذا ليس أكثر من تقدير قد يكون صحيحاً أو لا يكون، ولكن يؤخذ عليه أن بين الراغبين إلى وقف التطوير شركات رائدة في هذا المجال ولا يمكن القول إنها تخشى المنافسة مثل Space X. ولهذا لا تخلو حجج كل من الداعين إلى وقف مؤقت للتطوير، والمعترضين عليه، من نواقص تُضعفها. لكن أهم ما قد يُستفاد من هذه المعركة أن ثمة حاجة إلى تشريعاتِ لتنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي حتى لا تبقى خارج نطاق سلطة الدول ورقابتها.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية