*عندما يتلبّس فرنجية دور دين براون وريتشارد مورفي... (ميشال ن. أبو نجم)

حوالي سنة فى تيار

ميشال ن. أبو نجم-
عادة، يأتي موفدو الخارج إلى المحتفظين بما تبقى من ذاتية في القرار اللبناني، ويقولون لهم، لا مفرّ أماكم إلا التوقيع، أو ينصحونَهم بالهروب من لبنان كما فعل دين براون مرة، أو يأمرون بانتخاب مخايل الضاهر أو التوقيع على الطائف، كما فعل مورفي ومكارثي. هذه المرة يحصل العكس. المرشح المفروض من قبل ثنائية حزب الله – أمل، أتى بنفسه إلى بكركي، ملوّحاً، مهدِّداً.الخطورة تتجاوز المشهدية إلى دلالة ما تنبئ به محاولة فرض سليمان فرنجية رئيساً باستيلاده من خارج المكون المسيحي المعني أولاً برئاسة الجمهورية. قبل ذلك، لنبقَ في الشكل. لقد تبرّع المرشح المفروض ليكون هو نفسه ناقلاً للتلويحات والنصائح. إركبوا القطار، وإلا... بدل أن يكون إبن الشمال طارحاً مشروعاً لاستظلاله العباءة المسيحية الضرورية لانتخابه، قلبَ الأدوار إلى حمْلِ تهديدات الآخرين. هو إذاً يكرّس نفسه رسولاً يدعو ويحذّر، وليس صاحب قدرة ذاتية وازنة تخوله الترشح بتمثيله، أو برؤيته. وإذا كانت البداية أخطاءً جوهرية في تحديد ماهيته الرئاسية وفي الترشيح، كيف سيكون عليه السلوك في حال وصل إلى بعبدا؟على أن هذا الخطأ يتجاوز الحدود إلى الترهيب والإقصاء. لا عذرَ للجهل الثقافي والسياسي هنا. فالمسيحيون، نعم، الذين أناروا العالم العربي بثقافتهم وحمايتهم لعروبةٍ مستنيرة حقيقية لا مصلحية سياسية أو شعاراتية فارغة، يُستحضرون في كلامه من خلال المقارنة ب"داعش". نعم وبكل بساطة. لا يحق للمسيحيين بحسب سليمان فرنجية أن يكون لهم رأي وحضور، بذاتيتهم، لا بالمِنّة، وإلا فهم "دواعش" إرهابيون. هذا، أيضاً في الشكل، وفي خطوة الترشّح، ومن بوابة بكركي بالذات.
الأخطاء الشكلية القاتلة، ليس المضمون بأقل قساوةً منها. بعد صراع طويل لتكريس رئاسة الجمهورية بتمثيلها الوازن، وحضورها، يريد فرنجية إعادتها إلى زمن التسعينات.طبيعة الرئيس هذا، هو نتيجة لاتفاق وفق مصالح الخارج، والقوى الداخلية، لكن ليس للمسيحيين اللبنانيين فيه أي دور أو رأي، طالما ان هذا النظام السياسي هو ما يفرض هذه المعادلة. هو خارج الإرادة الذاتية الحرة. وإلى هذه الطبيعة "الخارجية"، ينحصر دور هذا "الرئيس" بنقل الرسائل والتهديدات. تماماً كما فعلَ الياس الهراوي حين طلب عبر وسيط من سمير جعجع عشية اعتقالات ال1994 المغادرة إلى الخارج. لا حضور ولا تأثير ولا موقف في رئاسة جمهورية لبنان.
مشهد فرنجية متكلّماً في بكركي استحضر مشاهد مؤلمة من التسعينات. بعض هذا النوع من المرشحين الذين لا موقف لهم، كانوا يدخلون ومن ثم يلوّحون بالتهديدات من على المنبر، وللبطريرك بالذات. هذا المضمون استعاده فرنجية، معيداً اتهاماته السابقة لجماعةٍ بكاملها بأنها "متطرفة"، لا بل "إرهابية"... هذا ليس خطأً شكلياً فحسب في الخطاب، بل يلوّح بما هو خطِر لجهة المساواة في الجوهر والطبيعة بين فكر ظلامي وإرهاب دموي، وبين جماعة تكرّسَ دورها في لبنان والمشرق عبر قيادتها لأهم وأدق رسالة حضارية في نهضة مجتمعات المنطقة، بناء على الحرية والإنفتاح اللذين وفَّرهما الكيان اللبناني جغرافياً واجتماعياً. خلاصة تهديد فرنجية أنَّ الذاتية في التعبير عن الرأي والحضور في شكلٍ فاعل، لا استتباعياً، تستدعي العقاب عبر التصفية السياسية الوجودية.
ووسط كل هذه التهديدات والرسائل العلنية والمبطنة، غاب المشروع الإصلاحي في شكل كامل. لا ينفع هنا ترداد شعارات التوافق مع صندوق النقد الدولي ورمي كرة الإصلاحات على الحكومة. لم نسمع من المرشح الذي يجد الوقت لنقل التهديد، أي طرح للتعاطي مع المصارف، و"نفضة" القطاع العام، والحفاظ على حقوق المواطنين في أموالهم وأملاك الدولة. لكن الأهم هو أن الخلاصة المدمرة لأي إصلاح هو ترشيح فرنجية في حد ذاته. فإذا كان رئيس الجمهورية تنتجه الثنائيات ومنظومة التسعينات، بالتعاون مع إدارة فرنسية لا ترى إلا أموال جيلبير الشاغوري والعقود في مرافق الدولة، فأي حكومة يمكنها تنفيذ مشروع إصلاحي حقيقي وجدي، طالما أن صناعتها تتم على يد هذه المنظومة بالذات، ومن بوابة "التعاون" الذي يريده فرنجية مع أركان منظومة التسعينات، وتحت شعار "الوطنية"؟
لم يكن أحد متوهماً بخطابٍ مختلف لمرشح منظومة التسعينات. كل ما فعله أمس من بكركي أنه أكّد المؤكد...

شارك الخبر على