لماذا غيَّرت روسيا موقفها من كوريا الشمالية؟

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

فوجئ العالم بتغيير جذري في موقف روسيا من كوريا الشمالية بعد سلسلة التبريرات التي ساقتها موسكو دعما لبيونج يانج في مواجهة واشنطن.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقَّع مرسوما يقضي بفرض حزمة من العقوبات على كوريا الشمالية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2321. ووفقا للوثيقة التي نشرتها روسيا، وجاءت تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الدولي، فقد تم تعليق التعاون في المجال العلمي - التقني بين موسكو وبيونج يانج، إضافة إلى بعض العقوبات الأخرى.

وعلى الرغم من أن روسيا أعلنت أكثر من مرة عن ضرورة حل الأزمة الكورية الشمالية بالطرق والوسائل السياسية والدبلوماسية حصرا، منتقدة العقوبات التي يفرضها الغرب على كوريا الشمالية، فإن المرسوم الروسي شدد على أنه "يجب وقف التعاون العلمي والفني مع الأفراد أو الجماعات التي تمثل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية".

وسبق مرسوم بوتين تصريحان مهمان يعكسان تراجع روسيا عن تبريراتها لكوريا الشمالية. الأول، لرئيسة المجلس الفيدرالي الروسي فالنتينا ماتفيينكو التي أكدت أن روسيا تدين بشدة أعمال بيونج يانج حول تطوير برنامج الأسلحة النووية وتدعو المجتمع الدولي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي. والثاني، لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أعلن أن بيونج يانج تتصرف بتحد وتنتهك قرارات مجلس الأمن، وقال: "أنا لا أبرر لبيونج يانج، لكنها تتصرف بتحد وتنتهك قرارات مجلس الأمن".

في الحقيقة، كانت روسيا تطمح في دور الوسيط بين الكوريتين الشمالية والجنوبية. إذ صرحت رئيسة المجلس الفيدرالي ماتفيينكو، يوم الأربعاء 11 أكتوبر الحالي، بأن روسيا على استعداد للعب دور الوسيط في المحادثات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية فيما يتعلق بالأزمة القائمة بينهما. ورجَّحَت أن تكون الأزمة الكورية محل مناقشة خلال جمعية الاتحاد البرلماني الدولي في سان بطرسبورج (في الفترة من (14-18) أكتوبر الجاري، وأن روسيا على أتم استعداد للتوسط في حال وافق طرفا النزاع على الجلوس إلى مائدة المفاوضات.

ولكن فجأة، انقلب موقف روسيا بشكل أثار التساؤلات، إذ سرَّبت موسكو أنباء حول رفض مسؤولين من كوريا الشمالية مقترحا روسيا بإجراء محادثات مباشرة مع نظرائهم من كوريا الجنوبية في سان بطرسبورج. وروَّجت وسائل الإعلام الروسية بشدة لهذا الرفض، مشيرة إلى أن موسكو دعت البلدين، اللذين أرسلا ممثلين عنهما إلى المنتدى البرلماني الدولي في روسيا، إلى انتهاز الفرصة لإجراء محادثات مباشرة لمحاولة التغلب على خلافاتهما المتعلقة ببرنامج بيونج يانج الصاروخي، لكن الأخيرة رفضت الفكرة.

المثير للتساؤلات هنا، أن موسكو نفسها كانت قد نفت أنباء ترددت حول قيامها بوساطة بين الكوريتين الجنوبية والشمالية. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول موقف روسيا من الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، بل ويلقي ببعض الشكوك حول هذا الموقف، خاصة أن الصين لم تقطع علاقاتها بكوريا الشمالية، بينما أعلنت دول كثيرة عن قطع العلاقات أو فرض عقوبات على بيونج يانج. فإضافة إلى العقوبات والتهديدات الأمريكية، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، حيث وقع وزراء خارجية دول الاتحاد، في لوكسمبورج، على حزمة جديدة من الإجراءات تتضمن حظرا على الاستثمارات في كوريا الشمالية وعلى تصدير دولهم النفط إليها. كما شددوا القيود على العمال الكوريين الشماليين في الاتحاد الأوروبي لوقف ضخ أموالهم إلى بيونج يانج. وأشار الاتحاد إلى أن اتخاذ الإجراءات الجديدة جاء بسبب "استمرار التهديد للسلام والاستقرار الدوليين" الذي يشكله النظام الحالي في كوريا الشمالية.

من الصعب أن يكون السبب، في فرض عقوبات روسية على كوريا الشمالية، هو رفض الأخيرة مقترح الوساطة الروسي. فروسيا عرضت وساطتها بين إيران والسعودية، وبين قطر والدول الخليجية الأخرى، وفي ليبيا، وفي اليمن، ولكن لم يهتم أحد بهذه العروض والمبادرات. ومن الصعب أيضا أن يكون فرض العقوبات الروسية بسبب البرامج الصاروخية والترسانة النووية  لبيونج يانج، لأن موسكو كانت ولأيام قليلة ماضية تبرر غالبية إجراءات وخطوات كوريا الشمالية، إن لم يكن كلها.

التساؤلات تدور حول رغبة موسكو في اتخاذ مواقف قريبة من مواقف الاتحاد الأوروبي، وخاصة في ظل ما تراه روسيا انقساما بين الاتحاد وبين الولايات المتحدة بشأن الملف النووي الإيراني. بينما ترى تقارير سياسية ودبلوماسية أن موسكو تبعث برسالة ضمنية إلى طهران بأن المواقف قد تتغير في أي لحظة لأسباب كثيرة في حال إذا لم يتم البحث عن حلول وسط لملفات عالقة. وترجح هذه التقارير أن الملفات العالقة بين موسكو وطهران كثيرة، وعلى رأسها في الوقت الحالي، نشاطات إيران في سوريا والتي تعيق الكثير من الخطوات الروسية في تنفيذ سيناريوهاتها وتحقيق مصالحها الكبرى التي تتجاوز سوريا وبشار الأسد معا.

هناك أيضا عاملان مهمان. يتعلق الأول، بالمناورات السياسية والدبلوماسية بين موسكو وواشنطن بشأن العديد من الأزمات، ومحاولات روسيا اختراق المواقف الأمريكية بشتى الطرق. ويتعلق الثاني، بشكل المصالح الجديدة بين موسكو وبعض الدول الأخرى، سواء المعادية لإيران أو لكوريا الشمالية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وذلك بعد انفتاح العلاقات على آفاق واعدة في مجالات عديدة، ولا سيما في مجال الاستثمارات والتسليح والطاقة.

شارك الخبر على