الذكاء الاصطناعي.. والطفرة الاقتصادية المقبلة

أكثر من سنتين فى الإتحاد

«للذكاء الاصطناعي حالياً تأثير مهم على الاقتصاد، ومن المتوقع أن يزداد تأثيره بشكل مهم خلال السنوات المقبلة... وبشكل عام، ستتوقف تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد على عدد من العوامل، مثل وتيرة التقدم التكنولوجي، والسياسات الحكومية، وقدرة العمال على التأقلم مع التكنولوجيات الجديدة». حسناً، من قال ذلك؟ لا أحد، اللهم إلا إذا كنا مستعدين للشروع في الإشارة إلى «النماذج اللغوية الكبيرة» باعتبارها أشخاصاً. وما فعلتُه هو أنني طلبتُ من «تشات جي بي تي» وصف تأثيرات الذكاء الاصطناعي الاقتصادية، فأجاب باستفاضة، وكانت تلك الكلمات مقتطفاً من إجابته. أعتقدُ أن الكثير منا ممن جرّبوا «النماذج اللغوية الكبيرة» يشعرون بالصدمة إزاء كيف باتت هذه الأخيرة قادرة على أن تبدو مثل أشخاص. وأغلب الظن أنها أو النسخ المنحدرة منها ستتولى عدداً مهماً من المهمات التي يضطلع بها البشر حالياً. هذا الأمر، وعلى غرار قفزات سابقة في التكنولوجيا، سيجعل الاقتصاد أكثر إنتاجية، ولكنه في الوقت نفسه سيؤذي على الأرجح العمال الذين تراجعت قيمة مهاراتهم. ولكن ما حجم هذه التأثيرات؟ وما سرعة ظهورها؟ بخصوص السؤال الأول، الجواب هو ألا أحد يعرف الجواب في الحقيقة. ذلك أن التنبؤات بشأن التأثيرات الاقتصادية للتكنولوجيا غير موثوقة على نحو مشهور. أما بخصوص السؤال الثاني، فإن التاريخ يشير إلى أن تحقق تأثيرات اقتصادية كبيرة للذكاء الاصطناعي سيستغرق وقتاً أطول مما يبدو أن كثيراً من الناس يتوقعونه.ولنتأمل هنا تأثيرات تطورات سابقة في الحوسبة. غوردون مور، مؤسس شركة «إنتل» – التي أدخلت المعالج الدقيق في 1971 – توفي الشهر الماضي. وقد اشتهر مور بتنبؤه بأن عدد الترانزستورات الموجودة على رقاقة حاسوب سيتضاعف كل عامين – تنبؤ ثبت أنه دقيق على نحو مذهل على مدى نصف قرن. واليوم، نرى نتائج «قانون مور» واضحة حولنا في كل مكان، وخاصة في الحواسيب القوية، التي تعرف أيضاً باسم الهواتف الذكية، التي بات الجميع تقريباً يحملها معه هذه الأيام. غير أنه لفترة طويلة كان المردود الاقتصادي لهذا الارتفاع في قوة الحوسبة عصياً عن التحقق وصعب المنال.لماذا استغرق ارتفاعٌ ضخمٌ وطويلٌ في قوة الحوسبة وقتاً طويلاً حتى ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد؟ في عام 1990، نشر المؤرخ الاقتصادي بول ديفيد واحدة من أعز الأوراق الاقتصادية إليّ على الإطلاق تحت عنوان «الدينامو والكمبيوتر». الورقة تعقد مقارنة بين تأثيرات تكنولوجيا المعلومات وتأثيرات ثورة تكنولوجية سابقة هي كهربة الصناعة. فكما قال ديفيد، فإن المحركات الكهربائية أصبحت متاحة على نطاق واسع في تسعينيات القرن التاسع عشر، ولكن امتلاك التكنولوجيا لا يكفي. إذ عليك أيضاً تحديد ما ستفعله بها.ومن أجل استغلال الكهربة استغلالاً مثالياً، كان على الصناع إعادة التفكير في تصميم المصانع. فقد كانت المصانع قبل الكهرباء عبارة عن مبانٍ متعددة الطوابق وذات مساحات عمل مزدحمة، لأن ذلك كان ضرورياً من أجل استفادة فعالة من محرك بخاري في القبو يحرّك الآلات من خلال نظام من الأعمدة والتروس والبكرات. وقد استغرق الأمر وقتاً لإدراك أن تشغيل كل آلة بوساطة محرك خاص بها مكّن من وجود مصانع مترامية الأطراف من طابق واحد وذات ممرات واسعة تسمح بنقل المواد بسهولة، ناهيك عن خطوط التجميع. ونتيجة لذلك، لم تتحقق مكاسب الإنتاجية الكبيرة من الكهربة إلا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. وكما توقع ديفيد، فإن المردود الاقتصادي الناتج عن تكنولوجيا المعلومات ظهر أخيراً خلال تسعينيات القرن العشرين. وكان التأخر في هذا المردود الاقتصادي في نهاية المطاف مشابهاً في الطول لثمار الكهرباء المتأخرة.غير أن هذا التاريخ يطرح مع ذلك بعض الأسئلة، ومن ذلك: لماذا كانت فترة ازدهار الإنتاجية الأولى التي نتجت عن تكنولوجيا المعلومات جد قصيرة الأمد، إذ إنها لم تدم سوى لنحو عقد. ثم إنه حتى حينما استمرت، لم يكن ازدياد الإنتاجية خلال فترة ازدهار تكنولوجيا المعلومات أعلى مما كان عليه خلال فترة الازدهار التي دامت جيلاً عقب الحرب العالمية الثانية، والتي تميزت بحقيقة أنها لم تكن تبدو مدفوعة بأي تكنولوجيا جديدة جذرياً.في عام 1969، نشر المستشار الإداري المشهور «بيتر دراكر» كتاب «عصر الانقطاع»، الذي تنبأ على نحو صحيح بتغييرات كبيرة في بنية الاقتصاد، ولكن عنوان الكتاب يشير ضمنياً – وعلى نحو صحيح، في اعتقادي – إلى أن فترة النمو الاقتصادي الاستثنائي السابقة كانت في الواقع عصر انقطاع وعدم استمرارية، عصراً لم تتغير خلاله الملامح الأساسية للاقتصاد كثيراً، حتى عندما ازدادت أميركا ثراء. أو بعبارة أخرى، إن فترة الازدهار الكبير من الأربعينيات إلى حوالي 1970 يبدو أنها كانت مبنية على استخدام التكنولوجيات، مثل محرك الاحتراق الداخلي، الذي كان موجوداً منذ عقود. لا نقصد بذلك أنه لن تكون للذكاء الاصطناعي تأثيرات اقتصادية ضخمة، ولكن التاريخ يشير إلى أنها لن تأتي بسرعة. ولهذا، فالأرجح أن «تشات جي بي تي»، وأياً تكن الابتكارات التي ستأتي من بعده، سيشكّل قصة اقتصادية للثلاثينيات المقبلة، وليس للسنوات القليلة المقبلة. هذا لا يعني أنه ينبغي تجاهل تداعيات فترة ازدهار ممكنة يحركها الذكاء الاصطناعي. ولكن النماذج اللغوية الكبيرة بشكلها الحالي يفترض ألا تؤثر على التوقعات الاقتصادية للعام المقبل، وربما يفترض ألا يكون لها تأثير كبير على التوقعات الاقتصادية للعقد المقبل. ولكن توقعات النمو الاقتصادي على المدى الطويل تبدو بالفعل أحسن مما كانت عليه قبل أن تبدأ الحواسيب في محاكاة الناس محاكاة مذهلة. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/03/31/opinion/ai-chatgpt-jobs-economy.html
 

شارك الخبر على